ما الذي يمنع الحكومة الأميركية من إعلان الحرب على شخص تعتبره تهديداً أمنياً وتهاجمه -دون اتباع القواعد المرعية- وتقتله؟ ربما تقول إن فعل هذا في الحقيقة سوف ينتهك حق الشخص المستهدف في الحياة وفي العملية القانونية الرئيسية، أما في الحرب فإن قتل أعداء مقاتلين مسموح به. لكن تستطيع الولايات المتحدة أن تعلن الحرب وتحدد مقاتلاً تعتبره تهديداً، مثل رئيس عصابة تهريب مخدرات في نيويورك أو زعيم من المافيا في شيكاغو أو حتى جوليان أسانج أو إدوارد سنودن. يتصدى لإساءة استخدام سلطات الحرب هذه ما هو أكثر من النفور الأخلاقي. فمازالت هناك قواعد لتصنيف «المقاتل»، ولتحديد متى تكون الحرب رداً ملائماً على تهديد ما. ولا تجري مناقشة هذه القواعد والقيود إلا نادراً، لكن بعد 12 عاماً على هجمات 11 سبتمبر 2011، ومع تراجع تورط الولايات المتحدة في أفغانستان، فقد حان الوقت لتطبيق هذه القيود على «الحرب» العالمية ضد «القاعدة» والجماعات المسلحة التابعة لها. وقد اعترف أوباما بهذه المشكلة في كلمته يوم 23 مايو الماضي في جامعة الدفاع الوطني، وحذّر من أن «الحرب الدائمة... سوف تثبت أنها هزيمة للذات وستغير الولايات المتحدة بسبل مربكة». ونقل عن جيمس ماديسون تحذيره: «لا تستطيع دولة أن تحافظ على حريتها في ظل حرب مستمرة». لكن الرئيس لم يأخد الخطوة التالية ليعلن إنهاء الحرب على «القاعدة»، ولم يشرح حتى كيف سيعلم المواطنون موعد انتهائها. يوفّر القانون الدولي دليلا إرشادياً. ومعايير اعتبار قيام «صراع مسلح» معترف به قانونياً بين دولة وجماعة مسلحة تظهر في البروتوكولات والتعليق الرسمي على اتفاقيات جنيف، وقد عمقتها عدد من المحاكم الدولية. ويستلزم الصراع المسلح مستوى معيناً من القتال، يحكم عليه بعوامل مثل عدد ومدة وكثافة المواجهات الفردية، وعدد الضحايا والنازحين جرّاء المعارك. وتستلزم كذلك خصوماً للقيام بالأعمال المسلحة في ظل هيكل قيادي قادر على الاضطلاع بالعمليات العسكرية. وتهديد «القاعدة» للولايات المتحدة، رغم أنه حقيقي، لا يلبي هذه المعايير؛ فعلى أقصى تقدير تستطيع «القاعدة» هذه الأيام أن تشن هجمات متفرقة ومتقطعة تنفذها خلايا مجهولة أو تنتمي للجماعة بشكل غير وثيق. وقد تتسبب بعض الهجمات في خسائر كبيرة في الأرواح لكنها ليست مثل العمليات العسكرية التي تحدد صراعاً مسلحاً بموجب القانون الدولي. وقد قال أوباما نفسه إن قلب «القاعدة»، المشروع الأصلي المتمركز في منطقة القبائل بشمال غرب باكستان، قد «هلك». والجماعات المنتمية لـ«القاعدة»، مثل «القاعدة في شبه جزيرة العرب» و«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، هي جماعات مسلحة أقوى لكن قدرتها محدودة على شن عمليات عنف خارج أقاليمها. ومن غير الواضح ما إذا كانت تلك الجماعات المكونة من عناصر ناشطة في اليمن وشمال أفريقيا، تمثل تهديداً للولايات المتحدة يفوق عصابات المخدرات المكسيكية أو الشبكات الدولية للجريمة المنظمة، وهي جماعات قلّما يصف الناس جهود الولايات المتحدة حيالها بأنها «حرب». واستمرار نشر الولايات المتحدة قواتها العسكرية ضد «القاعدة» ليس كافياً لتصنيف هذا الجهد باعتباره صراعاً مسلحاً، لأنها لو كانت كذلك، لاستطاعت الحكومة تبرير القتل الاعتباطي لـ«مقاتلين» باستخدام قواتها المسلحة لفعل ذلك. والاعتراف بأن الصراع مع «القاعدة» لم يعد حرباً لا يعني أن الولايات المتحدة بلا دفاع أو أن القوة القاتلة ممنوعة. وفي غياب الحرب، فإن سلوك الولايات المتحدة محكوم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي يفضل الاعتقال والمحاكمة، لكنه مازال يسمح بالقوة القاتلة إذا لزم الأمر لوقف تهديد وشيك للحياة. وفي كلمته في مايو الماضي، قال أوباما إن الولايات المتحدة ملتزمة فعلياً بهذا المعيار فيما يتجاوز المسرح الأفغاني. وشرح قائلاً: «نفضل دوماً الاحتجاز والاستجواب والمحاكمة... نعمل ضد الإرهابيين الذين يمثلون تهديداً مستمراً ووشيكاً للشعب الأميركي، وعندما لا تكون هناك حكومات أخرى قادرة على معالجة التهديد». إنها سياسات التأمين وليس الحرب. لذا، فالسؤال هو: لماذا لا تُتخذ الخطوة المنطقية التالية وإعلان انتهاء الحرب ضد «القاعدة»؟ نعم، قد يكون هناك ثمناً يتعين دفعه، وسيصيح خصوم أوباما السياسيين استهجاناً ويسجلون نقاطاً بعد الهجوم الإرهابي التالي الذي لا يمكن تفاديه. لكن كلفة استخدام خطاب الحرب لتحاشي القيود على القوة القاتلة أعلى. وتتوق الكثير من الحكومات إلى وجود تبريرات لقتل أعدائها دون محاكمة وإن كان من الصعب تعريفهم، حتى أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة. وقد ارتكبت الولايات المتحدة انتهاكات باسم محاربة الإرهاب. يجب على إدارة أوباما إعادة التفكير في تعريفها المفرط في فضفضته للحرب على «القاعدة» والدعوة إلى إنهائها. كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» ينشر بترتيب مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»