أكتب هذه الخواطر قبيل عيد الفطر المبارك، والحديث الدائر هذه الأيام على صفحات الصحف يدور حول إمكانية أن يكون العيد يوم الخميس أو يوم الجمعة. ويبدو أن النقاش ثنائي الأطراف بين أهل الفلك وعلماء الشريعة. ويتنبأ علماء الفلك بأن ولادة الهلال، أو "الاقتران" كما يسمونه، سيكون يوم الثلاثاء، السادس من أغسطس في الساعة 21 و51 دقيقة حسب التوقيت العالمي، وأن القمر سيظهر بعد غروب الشمس يوم الأربعاء 7 أغسطس لبضع دقائق في معظم البلدان الإسلامية. ويختلف أهل الشريعة في تحديدهم لهلال شوال، فحسب قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي في صفر 1407هـ (أكتوبر 1986م)، فإن هناك معيارين أساسيين لاعتماد دخول الشهر، أولاهما أنه إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها، ولا عبرة لاختلاف المطالع، وثانيهما أنه يجب الاعتماد على الرؤية بالعين المجردة، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد مراعاةً للحديث النبوي والحقائق العلمية. وذهبت دار الإفتاء المصرية إلى أن الأصل هو ثبوت دخول الشهر بالرؤية المجردة، بناءً على الحديث النبوي «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً». أما عن رؤية هلال شهر شوال فيجب على كل المسلمين أن يكون آخر يوم من رمضان وأول يوم من شوال عندهم، متى تحقق لديهم أحد الشروط الثلاثة: 1- إذا رأوا هلال شوال، وتحققوا من ذلك بالعدول. 2- إكمال شهر رمضان ثلاثين يوماً، إذا لم تتحقق الرؤية. 3- إذا قطع علماء الفلك الموثوق بعلمهم أن هلال شوال يولد يوم 29 رمضان ويمكث فوق الأفق بعد غروب شمس هذا اليوم مدة يمكن رؤيته فيها، لو لم تكن هناك عوامل طبيعية تحول دون رؤيته، ففي هذه الحالة يعمل بقول أهل الحساب ويثبت دخول شهر شوال بناءً على قولهم. ويضيف الشيخ عبد الله المنيع (عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية) بأن المعتبر في الأخذ بالحساب الفلكي ما يقرره علم الفلك من حيث النفي لا من حيث الإثبات، فإذا قرر علماء الفلك أن الهلال يغرب في آخر الشهر قبل الشمس، وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس فيجب رد هذه الرؤية. أما إذا قرروا رؤيته في وقت معيّن بعد الغروب وثبتت رؤيته، فيكون دور علماء الفلك دور المساند والمساعد لأصحاب الرؤية، وليس قولهم فاصلاً في هذا الأمر. والحقيقة أن الاهتمام برؤية الأهلّة لاعتماد المسلمين عليها في صيامهم للشهر الفضيل، وفي إعلان عيديهم وحجهم، قد دفع بعدد من الدول الإسلامية لإنشاء المراصد الفلكية، والقيام بحسابات متعددة، في محاولة منها لاستطلاع رؤية القمر في محاقه، وعند ولادته، وظهوره في أفق السماء. كما نشطت الجمعيات الأهلية المهتمة بشؤون الفلك وحسابات القمر والنجوم. ففي الإمارات ينشط المشروع الإسلامي لرصد الأهلّة في وضع خرائط مفصلة لاحتمالات رؤية الهلال يوم السابع من أغسطس. ويذهب المعهد الوطني للرصد الجوي في تونس إلى وضع جدول دقيق يحدد فيه وضع القمر في 21 مدينة إسلامية وغير إسلامية، محددين بدقة وضع القمر وقت غروب الشمس وارتفاعه وانحرافه الأفقي وسمكه، وكذلك عمر بقائه في السماء في ذلك اليوم. ويبدو من تلك الإحصاءات أن أطول عمر للقمر بعد غروب شمس الأربعاء ستكون في سنتياجو (في التشيلي)، حيث سيستمر بقاؤه في السماء هناك لمدة 17.7 دقيقة، تليها في ذلك جاكارتا. وفي العالم العربي سيكون الهلال في الخرطوم، وفي كل من صنعاء والمدينة المنورة ومكة المكرمة أطول من بقية المدن الأخرى، غير أن «سمكه»، وبالتالي سطوعه، سيكون ضعيفاً جداً، مما قد يصعّب على الأفراد رؤيته في مدة زمنية قصيرة. وبالنسبة للقارئ العادي، فإن الانطباع السائد بأن الهلال تمكن رؤيته بنفس السطوع في البلد الواحد، غير أن ذلك ليس بالضرورة صحيحاً. في بعض البلدان الشاسعة، مثل روسيا التي تمتد أراضيها عبر ست مواقيت زمنية، فإن احتمال رؤيته في غرب روسيا، أكبر بكثير من رؤيته في شرقها، وربما لا يُرى أبداً في شرقها في تلك الليلة. وهنا يظهر سؤال محيّر، وهو: هل يمكن أن يصوم بعض المسلمين في البلد الواحد، ويفطر آخرون بحكم رؤيتهم للهلال، في نفس القطر، لانعدام إمكانية رؤيتهم له في الشطر الآخر من البلاد؟ ومثل ذلك السؤال محيّر، وينبغي لعلماء الشريعة الإجابة عليه. غير أن موضوع الأهلّة هو موضوع اجتماعي بقدر ما هو شرعي وفلكي، فالأعمال مرتبطة بالأعياد والإجازات التابعة لها، وهي لا يمكن أن تضبط بالتاريخ الهجري، بينما تقوم أعمال الشركات، وشركات الطيران وجداولها وأوقاتها على التقويم الميلادي، وليس الهجري، وقد يذهب أحد الأشخاص لزيارة أهله ومعايدتهم، ولن يتمكن من إتمام مراسم الزيارة والاحتفالات العائلية بهذه الأعياد، لارتباطه بمواعيد سفر ثابتة لا يمكن تغييرها. ومن يتأمل مواقف علماء الشريعة من الاعتماد على الرؤية والحساب الفلكي، يجد أن هناك بعض التغير الطفيف في موقفهم من الرصد الفلكي. ففي الماضي كانوا لا يعيرون لذلك أي اهتمام، أما اليوم فإنهم يعملون جنباً إلى جنب مع علماء الفلك في محاولات رصد موضع الرؤية المحتمل وارتفاع الهلال عن الأفق وقت الغروب، وقوة نوره وإضاءته. كما أن بعض الفلكيين أصبحوا يحاولون التركيز على ولادة الهلال، أي قبل يوم كامل من رؤيته ويتحرون الدقة في حساباتهم لأن الولادة لديهم أهم من تزامن ذلك مع غروب الشمس في اليوم التالي، كما يزعمون. وربما سنصل في يوم من الأيام إلى اجتهاد يعتمد إلى التماس رؤية الهلال بالتليسكوب، والحساب الفلكي، فيتناقص احتمال خطأ البشر وصوابهم، في رؤيتهم للهلال من عدمه، حيث إن الأحوال الجوية، وكذلك زيادة حجم الضوء الصادر من المدن والمناطق الحضرية أصبحت اليوم تكاد تحجب أي رؤية مجردة للسماء، إلا في أماكن محدودة من العالم. وسنظل في شدّ وجذب سنة بعد أخرى حول بزوغ الهلال وإمكانية رؤيته، وتحديد دخول الأشهر القمرية، وستظل أعيادنا معلقة برؤية أفراد ذوي حاسّة قوية للرؤية، وهم اليوم في تناقص مستمر. ومهما يكن يوم العيد، فإني آمل أن يكون سعيداً عليكم وعلى من تحبون.