إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري في الأردن يوم التاسع عشر من يوليو المنصرم بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الفلسطيني عباس قد اتفقا على استئناف مفاوضات السلام، جاء مفاجئاً بالنسبة للكثيرين. لكن مما لا شك فيه أن كيري بذل جهداً كبيراً في سبيل تحقيق هذا الأمر، حيث قام بست زيارات إلى منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية. والمؤشرات الأولى تشير إلى أن الأمر يتعلق بجهد جدي وإلى أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية تدركان أن الوقت أخذ ينفد بخصوص الآمال في حل الدولتين. وبعيد أيام قليلة على إعلان كيري، وافقت إسرائيل على الإفراج عن 104 من الأسرى الفلسطينيين القدامى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو، على دفعات، وفي التاسع والعشرين من يوليو، التقت تسيبي ليفني وصائب عريقات، المفاوضان المعينان عن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، على مأدبة عشاء خاصة في مقر وزارة الخارجية الأميركية، ثم انخرطا في يومين من المحادثات التي تمحورت حول الإجراءات الخاصة بالمفاوضات المقبلة، محادثات انتهت باتفاق على الالتقاء من جديد في غضون أسابيع وإعلان الجانبين عن تحديد تسعة أشهر لحل القضايا الأساسية تمهيداً لتوقيع اتفاقية سلام. غير أنه بالنظر إلى التشاؤم الكبير الذي ارتبط بعملية السلام منذ فشل إدارة أوباما الأولى في تحقيق أي نتائج خلال الفترة التي كان فيها السيناتور جورج ميتشل مبعوثَ السلام الأميركي السابق للشرق الأوسط... هل بات يوجد اليوم أي سبب يدعو للأمل؟ على نحو مفاجئ، يبدو الجواب إيجابياً أكثر مما قد يوحي به السجل السابق، وذلك لجملة من الأسباب والاعتبارات. فأولاً، يدرك كل من نتنياهو وعباس أنهما إذا لم يقوما بمحاولة واحدة أخيرة في سبيل تحقيق حل الدولتين، فإن آمالهما في ترك ميراث لشعبيهما سيكون محكوماً عليها بالفشل. ذلك أنه بالنظر إلى الوتيرة الحالية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فإنه سيتم الوصول، في القريب العاجل، إلى نقطة يصبح فيها من المستحيل سياسياً على أي زعيم إسرائيلي أن يترك الضفة الغربية. وبحلول ذلك الوقت، سيعني ازدياد عدد السكان الفلسطينيين في كل من إسرائيل والأراضي المحتلة أن إسرائيل ستضطر إما لقبول أغلبية فلسطينية، إذا ما كانت ترغب في أن تظل ديمقراطية، وهو ما يعني نهاية للحلم الصهيوني، وإما أن تصبح دولة تمييز عنصري (آبارتايد) تحكم على أغلبية خاضعة لها. والحال أن أياً من الخيارين غير مقبول بالنسبة لأغلبية من الإسرائيليين في الوقت الراهن. ثانياً؛ ولعدد من الأسباب المرتبطة بـ«الصحوة العربية»، يواجه المنافس الرئيسي للسلطة الفلسطينية، وهو حركة «حماس»، متاعب كبيرة هذه الأيام حيث أخذ يفقد الدعم والمال من بلدان كان يعتمد عليها إلى وقت قريب. ذلك أن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي و«الإخوان المسلمين» كانا أكثر دعماً لـ«حماس» مقارنة بنظام «مبارك». لكن الآن، وقد نُحي مرسي و«الإخوان» من الحكم، فقد اتخذ قادة مصر الحاليون موقفاً أكثر تشدداً ضد «حماس»، والتي فقدت أيضاً دعم إيران وسوريا بسبب تنديدها بنظام الأسد وانحيازها إلى صف الثوار السنّة في الحرب الأهلية السورية. والأكيد أن قدرة «حماس» ضعيفة على التحرك على نحو فعّال من أجل وقف عباس في محاولاته لإبرام اتفاق مع إسرائيل. ثالثاً؛ يدرك كل من كيري وأوباما أنه إذا ما كان يراد للتقدم أن يتحقق في عملية السلام، فإنه سيتعين على الولايات المتحدة أن تضطلع بدور أكثر قوة بخصوص مساعدة إسرائيل والفلسطينيين على التغلب على العراقيل الكبيرة التي يواجهونها في التوصل إلى اتفاقية سلام. فهل سيكونان مستعدين للعب هذا الدور بالنظر إلى الرهانات وغياب أي تقدم آخر في التوصل إلى تسويات سلمية في الشرق الأوسط؟ الواقع أن الرجلين يدركان أن هذا الأمر سيتطلب ركوب مخاطر سياسية نظراً لأنه سيعني استعداء بعض من أكثر أنصار إسرائيل في الكونجرس الأميركي تشدداً. لكن، ولحسن الحظ، ثمة عدد متزايد من أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة الذين يدركون ويقدِّرون الاختيار الصعب الذي يواجهه نتنياهو بخصوص الاتجاهات السكانية وحقيقة أن عباس هو الزعيم الوحيد المستعد في الوقت الحالي للتحدث معه. وعلاوة على ذلك، فمن بين العوامل الإيجابية الأخرى هناك مؤشرات متجددة من الجامعة العربية على أنها مستعدة لقبول حل الدولتين وفق الخطوط التي حددها المقترح الأصلي الذي عرضه ولي العهد السعودي وقتئذ، عبدالله بن عبد العزيز، عام 2002 في قمة بيروت. ذلك أن الزعماء العرب المعتدلون يدركون أن اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين من شأنها أن تريحهم من أحد التحديات الكثيرة التي يواجهونها في ظروف مضطربة للغاية في منطقة خطيرة للغاية أيضاً. ومما لا شك فيه أن احتمالات أن تفضي مفاوضات السلام التي بدأت للتو إلى نتائج إيجابية ليست كبيرة، في رأي الكثيرين. غير أن الاحتمالات تظل أفضل مما كانت عليه قبل عام من الآن، على كل حال. وهذا ما يسمح ببعض الأمل في إحراز تقدم.