ربما أصبح من اللافت انتشار الإلحاد في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، على نحو لم تحققه الشيوعية في أوج معاركها ضد البناء الروحي والإيماني لإنسان هذه الأمة، وذلك لأنه كان بناءً أقوى مما هو عليه اليوم، لكن بإمعان النظر سنلاحظ أن الذين يريدون إسقاط مجتمعاتنا في مصيده الإلحاد وجدوا أن الطريق أمامهم سهل لتحقيق ذلك الهدف، مع وجود موجات من الأفكار والأيديولوجيات والنظريات العلمية والمعرفية والفلسفية التي تعزز الزحف الإلحادي تحت مسميات متعددة، علاوة على الغفلة أو التساهل من جانب الكثيرين، مما أتتاح لقادة الإلحاد أن يبلغوا أغراضهم في إيجاد الفتن والاضطرابات في مجتمعاتنا. إن غاية الإلحاد هي تحطيم الأديان السماوية، وعلى الأخص الإسلام، وإشاعة الفوضى في المجتمعات. فالمذهب الذي يتنكر للخالق الله سبحانه وتعالى، ويجعل من هذا الكون مجرد مادة خلقت بدون خالق، هو العدو الأول للانسجام الروحي لدى المجتمعات. لقد استغل أمثال هؤلاء حالة الحرية في مجتمعاتنا وجعلوها مدخلهم لزرع الشك في العقيدة من أبناء هذه الأمة. وهناك اليوم الكثير، مما يطرح في الندوات والمحاضرات والمؤتمرات والتعليم ومراكز البحث، مقابل الصيحات شبه الإجماعية من علماء الدين والكتاب والمفكرين، ومن ذلك ما ذكرته الدكتورة آمنة نصير في حوارها مع جريدة «الأهرام» (2013/6/14)، عندما لخصت خطورة ذلك قائلة: «إن حالة الحرية المنفلتة انسحبت على القضايا العقائدية، وتُطرح الآن في بعض الندوات والمحاضرات أسئلة تعتبر في صميم الإلحاد. إن الفكر الإلحادي بدأ الزحف وأتمنى ألا يطول مساحات أكثر من هذا. لقد بدأ يتمرد على ضوابط الدين وعلى بعض المصطلحات التي تضع الكوابح لانفلات النفس البشرية وأجدها الآن في بعض قطاعات الشباب وبعض المفكرين من ذوي التوجهات المختلفة». لقد أثبتت ظاهرة الإلحاد أنها ليست وليدة الصدفة بل هي وليدة الصهيونية. ومعلوم أن هذه الأخيرة هي من أوجدت الشيوعية، والتي تأسست على ضوئها دولة الإلحاد. وحسب روبرت وليامز في كتابه «يهود في أميركا»، فإن الصهيونية هي أم الشيوعية وكل من درس تاريخ الشيوعية يعلم أن الذين كونوها وساروا بها أغلبهم كانوا يهوداً متعصبين لليهودية». لقد قاوم الملحدون الاتجاه الداعي إلى أن يصل الإنسان إلى معرفة ربه بكل الأساليب والوسائل بعد أن أعماهم حقدهم عن معرفة الحقيقة الكبرى، وهي أن لهذا الكون خالق هو الله سبحانه وتعالى، فظلوا يعيشون في ضلالهم حتى أصبح يتعذر عليهم الرجوع إلى الحق. وقد خاض بعضهم فيما خاض فيه الملحدون واستسلموا للنظريات الإلحادية وما يأمرهم به فلاسفة الإلحاد ومفكروه، ولم ينتبهوا إلى سوء هذا التوجه إلا وسنين العمر تميل إلى الغروب، فندموا لكن بعد أن شارف العمر على الانتهاء. وتنبه قسم منهم إلى خطر ذلك المسلك مبكراً فاتجه إلى البحث عن الحقيقة حتى توصل إليها، فوجدنا بعضهم يدخل الإسلام. إن القرآن الكريم يحتج على المكذبين من الملحدين ببراهين وأدلة واضحة ويدلهم في آياته إلى طريق الحق الذي يوصلهم إلى الله ويعطي إيماناً مفصلاً حيث يصف ربنا ويعدد لنا أسماءه وصفاته ويعرفنا بأفعاله ومخلوقاته ويصف لنا القيامة والجنة والنار كأننا نراها. ورحم الله جندب بن عبدالله الذي قال: «تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً».