أدرك أن المسلمين من كافة أنحاء المنطقة قد صاموا شهر رمضان، وبالتالي أود بداية أن أنتهز هذه الفرصة لأتمنى لهم جميعاً عيداً سعيداً بمناسبة احتفالهم بعيد الفطر. رمضان هو شهر التأمل والعبادة، يفكر فيه المسلمون بمن هم أقل حظاً منهم في أنحاء العالم. وإنني على ثقة بأن الكثيرين منكم قد فكروا على وجه الخصوص بمعاناة المتضررين من الأزمة في سوريا، والكثير من أموال زكاتكم ذهبت للسوريين المحتاجين. كما أنني أتعاطف كثيراً في هذه المناسبة مع ملايين المواطنين السوريين الذين أصيبوا أو أخرجوا من ديارهم بسبب العنف. وأفكر أيضاً بمواطنين في الدول المجاورة بلغ سخاؤهم لدرجة أنهم فتحوا بيوتهم ومجتمعاتهم لاستضافة وافدين غرباء في أغلب الأحيان. في بداية شهر رمضان ذهبت في زيارة إلى لبنان لأطلع بنفسي على الآثار التي خلفها أكثر من عامين من القتال، ليس على سوريا وحسب، بل على المنطقة ككل. وتحدثت إلى عائلات فرت من ديارها، وهي لا تحمل سوى ما يكسو الأجساد، واستمعت منهم إلى قصص مروعة عن المعاناة وصعوبة المعيشة. الأعداد هائلة، وما زالت بارتفاع مطرد. حيث تقدر الأمم المتحدة بأن ما يفوق 100,000 سقطوا قتلى حتى الآن، وما يربو على 4.25 مليون شخص باتوا مهجَّرين مشردين هجروا بيوتهم داخل سوريا. ويكاد عدد اللاجئين في الدول المجاورة يقترب الآن من المليونين، ما يشكل أيضاً ضغوطاً على المجتمعات المضيفة لهم. ويقلقني بشكل خاص انعكاسات هذا القتال على الفتيات والنساء، والكثير منهن الآن تواجهن الخطر الأكبر للعنف والاستغلال، حيث تشير التقديرات إلى تعرض واحدة من بين كل عشرة من النساء السوريات اللاجئات لشكل ما من أشكال العنف. والأطفال هم الأكثر عرضة للخطر، حيث ما يفوق 50 في المئة من اللاجئين هم ممن تقل أعمارهم عن 18 عاماً. ورأيت أيضاً في لبنان، وقبل ذلك في الأردن هذه السنة أيضاً حين التقيت بلاجئين سوريين، بأن وراء كل واحد من هذه الأعداد مأساة إنسانية خاصة. لهذا السبب فإنني عزمتُ على أن يكون التركيز التام على توفير المساعدات الإنسانية في قمة أولوياتنا تجاه هذا الصراع. لقد دأبت المملكة المتحدة على تولي دور قيادي بالاستجابة للأزمة الإنسانية منذ اندلاع القتال، وقد ساعد التمويل الذي قدمناه في توفير المواد الغذائية والمياه والأدوية والمأوى لمئات الآلاف من الناس. وقبل ما يزيد على الشهر بقليل أعلن ديفيد كاميرون في قمة مجموعة الثمانية التي عقدت في أيرلندا أن المملكة المتحدة ستساهم بمبلغ إضافي قدره 175 مليون جنيه إسترليني لمواجهة الأزمة السورية. ويعتبر هذا أكبر التزام تمويلي على الإطلاق تتعهد المملكة المتحدة بتقديمه لمواجهة كارثة إنسانية في دولة بعينها، وقد زيد التمويل المقدم منا بأكثر من الضعف ليصل إجمالي ما تعهدنا بتقديمه حتى الآن إلى 348 مليون جنيه إسترليني. وهذه هي أكبر إغاثة نوفرها لمنكوبي كارثة إنسانية بعينها. ويعكس هذا حجم الأزمة - ودرجة المعاناة. إنه مؤشر على مدى جدية حكومتنا في بذل كل ما في وسعها لتخفيف المعاناة. كما أننا دأبنا على حث دول مانحة أخرى على أن تزيد مساعداتها، وأن تقوم بدورها. وسنواصل دعوتها للالتزام بوعود التمويل التي قطعتها على نفسها. ومن شأن المساعدات المقدمة من المملكة المتحدة أن توفر المواد الغذائية لأكثر من 285,000 شخص شهرياً. كما توفر المياه لحوالي المليون شخص، إلى جانب تقديم استشارات طبية لحوالي 300,000 مواطن سوري في أنحاء سورية وفي الدول المجاورة. كما يوفر الدعم المقدم منا لوازم مدرسية وتدريباً للمعلمين لضمان عدم تفويت فرصة التعليم على الأطفال اللاجئين. ونوفر أيضاً ما تحتاج إليه الأمهات الجدد، والخدمات الصحية للنساء اللاجئات، والدعم المالي للنساء المعرضات للزواج بالإكراه. ومع أننا نعلم بأن المساعدات تصل للمحتاجين إليها، وتساهم في إنقاذ الأرواح، لكن علينا أيضاً أن ندرك بأنها قد لا تصل إلى كل المعوزين، وفي الأوقات كافة. فالحكومة السورية تواصل فرض عراقيل إدارية بيروقراطية أمام وكالات الإغاثة، ولا بدَّ من إزالة هذه العراقيل. كما يواجه موظفو الإغاثة الإنسانية التدخل في عملهم وخطر التعرض للعنف. هذا كله يجب أن يتوقف، وعلى أطراف الصراع كافة إدراك ذلك والتقيد به. كما أن علينا أن نبدأ بالتفكير في تلبية الاحتياجات على الأجل الطويل، فالبارونة آموس، المسؤولة عن التعامل مع الأزمة السورية في الأمم المتحدة، قالت بمناسبة إطلاق المنظمة الدولية حملتها الجديدة للإغاثة في شهر يونيو إنها تعتقد أن عامين من الصراع قد أديا إلى تراجع التنمية في سوريا عقديْن من الزمن. وإننا نوفر على نحو متزايد التمويل على الأجل الطويل لمساعدة وكالات الإغاثة في التخطيط بشكل أفضل ومواصلة إدارة البنية التحتية وتقديم الخدمات المتوفرة حالياً. ويعني ذلك مواصلة تقديم خدمات الرعاية الصحية والتعليم وغيرها، وضمان عدم تعطل البنية التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي. وبنهاية الأمر يتعين على المجتمع الدولي بذل المزيد من الجهود لإنهاء الأزمة في سورية والاتجاه إلى الحل السياسي لها. وإلى أن يتحقق ذلك، لا بد وأن يتمكن موظفو الإغاثة من حرية الوصول إلى حيثما هناك حاجة لهم، وأداء عملهم الذي ذهبوا إلى هناك من أجله، دون أن تتعرض حياتهم للخطر. وعلى المجتمع الدولي أن يوفر لهم التمويل الذي يحتاجونه لأداء عملهم. ستواصل المملكة المتحدة الدفع على الساحة الدولية باتجاه تحقيق ذلك، ولا شك أن للدعم المقدم للهيئات الخيرية والمنظمات التي تؤدي هذا العمل الحيوي داخل سوريا وحولها، أثراً ملموساً في تخفيف المعاناة، وسوف نواصل وقوفنا إلى جانب الشعب السوري وقت الحاجة. جستين غريننغ وزيرة التنمية الدولية البريطانية