لا زالت عملية إنتاج النفط والغاز الصخريين تثير الكثير من الجدل، وبالأخص في البلدان الأوروبية، سواء من حيث تأثيرها على مستقبل إمدادات الطاقة وأسعار النفط أو بتأثيراتها البيئية الضارة والتي تنبه بمخاطرها المنظمات المدافعة عن البيئة وتطالب بوقف عملية الإنتاج. ولمعرفة مدى التفاوت في المواقف بين البلدان الأوروبية يمكن الإشارة إلى تصريح الرئيس الفرنسي في العيد الوطني، والذي أشار فيه إلى أن إنتاج النفط الصخري لن يتم في فرنسا ما دام هو رئيساً لهذا البلد، أي خلال السنوات الثلاث القادمة أو الثماني سنوات إذا أعيد انتخابه. في المقابل تقدم جارته بريطانيا تسهيلات كثيرة للشركات العاملة في إنتاج الغاز والنفط الصخريين، حيث قررت مؤخراً تخفيض الضرائب على إنتاج الغاز الصخري بنسبة كبيرة من 62 في المئة إلى 30 في المئة، مما يعد واحداً من أقل نسب الضرائب على إنتاج الغاز في العالم، وذلك رغم الاحتجاجات من قبل أنصار البيئة والتحذيرات الخاصة بالانبعاثات الغازية الضارة. من جانبها تسير عملية إنتاج الغاز الصخري بوتيرة سريعة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تحولت إلى مصدر للغاز بفضل التطور السريع الذي شهدته عملية الإنتاج في السنوات القليلة الماضية، أما ألمانيا واليابان، فإن التردد والمخاوف البيئية لا زالت تشكل هاجساً لمتخذي القرار. والحقيقة أن لهذا الجدل الحامي ما يبرره، فهذه البلدان بحاجة ماسة لتنويع مصادر احتياجاتها من الطاقة وتقليل اعتمادها على الخارج، وبالأخص من منطقة الشرق الأوسط المضطربة، في الوقت الذي سيترتب على عملية تكسير الصخور نتائج بيئية كارثية تتمثل في تلوث الهواء بسبب تسرب الغازات، وكذلك تسمم مصادر المياه الجوفية وتشكل زلازل قد تصل إلى 5 درجات بسبب طريقة الإنتاج التي تترتب عليها فراغات وضغوط على الطبقات الأرضية. ومع أن دول الخليج قد لا تضطر إلى إنتاج النفط والغاز الصخريين بفضل احتياطياتها الكبيرة، وبسبب التكلفة العالية للإنتاج الصخري، إلا أنها لا بد وأن تراقب عن كثب الجدل الدائر، والذي يمكن أن يؤدي إلى التأثير على أسعار النفط في الأسواق العالمية باتجاه انخفاض هذه الأسعار، وهو ما حدث بالفعل من خلال الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار الغاز بعد تضاعف إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة. أما البلدان النامية الأخرى، ومن ضمنها البلدان العربية غير النفطية، فإنه رغم توفر النفط والغاز الصخريين في أراضيها، فإن معظمها لا يملك الأموال اللازمة للاستثمار في هذا المجال، وذلك رغم ارتفاع الطلب على الطاقة، مما يعني أن إنتاج النفط والغاز الصخريين سيقتصر في الوقت الحاضر على الأقل على البلدان الغنية التي تملك قدرات تمويلية، بما فيها بعض البلدان الناشئة، كالصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية والتي لا يشكل أنصار البيئة فيها قوة ضغط مؤثرة، كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة، مما سيسهل من عملية التوسع في الإنتاج. إذن يقف العالم على أعتاب تطور مثير في إنتاج الطاقة، وذلك بفضل التطور التكنولوجي، فإذا ما تمكنت البلدان المتقدمة من حسم مواقفها مع المنظمات المدافعة عن البيئة، فإن التأثيرات في صناعة الطاقة ستكون كبيرة، أما في حالة ما تمكنت هذه المنظمات من عرقلة عملية التوسعات الإنتاجية، فإن هذه التأثيرات ستكون أقل شأناً. من خلال التفاوت ما بين الموقفين الفرنسي والبريطاني وما بينهما من مواقف أوروبية غير واضحة يتضح أن هذه المعركة بين المؤيدين والمعارضين لإنتاج النفط والغاز الصخريين ستكون معقدة وطويلة، خصوصاً وأن منظمات أنصار البيئة أصبحت رقماً انتخابياً مؤثراً في البلدان الأوروبية لا يمكن تجاهله، وذلك بعد أن أصبحت طرفاً رئيسياً في التشكيلات الحكومية في العديد من البلدان الأوروبية، حيث سيتوقف على هذا التفاوت مستقبل إنتاج الغاز والنفط الصخريين وتأثيراتهما على الإمدادات والأسعار أو كما يقول وزير الطاقة الأميركي من أنهما سيغيران شكل تجارة الطاقة، وسيولدان تداعيات جيو- سياسية عديدة. د.محمد العسومي