ضياع كبير في السياسات التي تنتهجها الدول الغربية، فهي منذ أحداث 11 سبتمبر التي شهدتها أميركا والسياسات العامة فيها، تضطرب في كيفية معالجة العنف الذي قادته «القاعدة». فحتى بعد مقتل بن لادن لا تزال أعمال العنف تتنامى في مناطق مختلفة من العالم. ولعل تحذير الخارجية الأميركية بإغلاق بعض سفارتها بمثابة تأكيد على تنامي العنف الذي تقوده التنظيمات الإسلامية السياسية. والعنف الذي تشهده مصر على يد «الإخوان» يشكل علامة بارزة في كيفية فهمنا للإسلام السياسي، فجماعة «الإخوان» تواجه الفشل الذريع بشعار العنف لكونه يشكل حالة هستيرية للغرب والولايات المتحدة الأميركية. فالغرب كان يعتقد بأن التحالف معهم كفيل بنهاية العنف ونسي بأن هذه الحركات تربت على عقيدة العنف وأنها تراوغ لأجل تثبيت قدميها، ومن ثم تواصل العنف الذي يشكل علامة في تاريخها. فسقوط الحكم في مصر لم ينقلنا للديمقراطية، لكون الخروج من الاستبداد لا ينتهي بسقوط الحكم، بل يبقى مرهوناً بثقافة الاستبداد المتجذرة في المجتمع. والإسلام السياسي يشكل أحد أهم المآزق التي تواجهنا وإن اختلفت التسميات؛ ففي مرحلة عبد الناصر تشكل لنا العنف على أيدي «الإخوان المسلمين»، ثم ظهرت الحركات الجهادية في زمن السادات أو ما سُمي جماعات التكفير، وبعد ذلك خرجت لنا جماعات «القاعدة» في التسعينيات وفرخت لنا حركات مختلفة تنتهج العنف وسيلةً لحل الصراع. ما يحدث في مصر يشكل تحولاً تاريخياً في التعامل مع الحركات السياسية الإسلامية؛ فهي اليوم تعلن عن المواجهة المتسمة بالعنف غير عابئة بتداعيات سلوكها، وهذا دليل على أزمة المشروع الإخواني. لقد انكشفت جماعة «الإخوان»، فهي من قاد ترتيب الهدنة بين «حماس» وإسرائيل، وهي من توجه للغرب طلباً للحماية، وهي من ضرب عرض الحائط بكل وعوده وعمل على تحقيق هدفه المتجسد في الدولة الدينية. فالدور الإقليمي لحركة «الإخوان» أصبح مكشوفاً، وهذا ما يجب التعامل معه ليس عبر سياسات الإقصاء بقدر ما يجب فهم الجماعة وما تستوجبه اللعبة الديمقراطية. إلا أن سيطرتهم على السلطة، وإن لفترة قصيرة، فضحت المخط الإخواني. المواجهة يجب أن لا تكون أمنية فقط، بل على صانعي القرار العربي المسؤولية في كيفية إعادة الوعي المجتمعي بدور حركات الإسلام السياسي، فهذه الحركات نالت كرماً كثيراً من حكوماتنا التي فتحت لها الأبواب وقدمت لها التسهيلات ومكّنتها من السيطرة على مفاصل الدول. أحد أهم المثالب التي علينا مواجهتها تتجسد في كيفية محاصرة الشعارات الدينية التي تستخدمها الجماعات في ترويجها لفكرها وكشف زيفها للعامة من الناس. فالخلاف مع الحركات الإسلامية ليس خلافاً حول المرجعية الإسلامية، بقدر ما هو خلاف حول مشروع بناء الدولة الوطنية، وإلى أي درجة تفهم الحركات الدينية هذا المفهوم وتنسجم معه في فكرها. على المستوى الغربي، من الواضح أن هناك أزمة في فهم السياسات الغربية للتحولات الاجتماعية وإدراكها لوسائل التصدي للعنف التي تحتضنها الحركات الدينية. فالمصارحة مطلوبة، خصوصاً مع الدول النفطية التي تتهم بترويجها لفكر العنف المادي وتمويلها للحركات السياسية الإسلامية. المشكلة معقدة وحلها ليس بالتحالف مع «الإخوان»، وكما يقول الغرب، فإن الإصلاحات السياسية ضرورية لبناء دولة المواطنة وتحقيق معادلة القانون وتكافؤ الفرص والقضاء على الفساد... فكل ذلك يشكل أحد المخارج المهمة في مواجهة العنف.