محادثات السلام لا تضمن استقرار المنطقة... وضغوط على الميزانية الدفاعية متى يهتم الأميركيون بمحادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية؟ وهل باتت المؤشرات الاقتصادية الأميركية غير معبرة عن الواقع؟ وكيف يمكن تقليص ميزانية الدفاع الأميركية؟ تساؤلات نضع إجاباتها تحت الضوء ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الأميركية. الهدف النهائي يوم الجمعة الماضي، وتحت عنوان «الشرق الأوسط في حاجة إلى أكثر من مجرد محادثات»، نشرت «فيلاديلفيا إنكويارير» افتتاحية، تساءلت في مستهلها: هل يمكن إلقاء اللوم على الأميركيين كونهم غير مهتمين بمحادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ الصحيفة ترى أن هذه المحادثات وحدها لا تجلب الاستقرار للمنطقة، فحالة عدم التأكد تعم الشرق الأوسط، و«الربيع العربي» بدلاً من أن يحدد الطريقة التي تُحكم بها دول المنطقة، كما هو الحال في مصر وسوريا، أسفر عن مشكلات في لبنان والأردن، وفي غضون ذلك تعزز إيران هيمنتها، ويسقط العراق ثانية في دوامة التوتر الطائفي. ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن الجولات التفاوضية السابقة تجعل من الصعب الاعتقاد في نجاح وشيك للجولة الراهنة، الأمر بدأ بقرار مجلس الأمن الدولي عام 1967 ثم اتفاقات كامب ديفيد عام 1978، ومؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق أوسلو عام 1993 ومحادثات كامب ديفيد عام 2000 ومحادثات طابا في 2001، والمبادرة العربية في 2002 وخطة «خريطة الطريق» واتفاق جنيف عام 2003، ومؤتمر «أنابوليس» عام 2007، ومحادثات واشنطن في 2010. كما أن توقيت المحادثات الحالية لا يزيل التشاؤم، ما جعل البيت الأبيض يصرح بأن أوباما أطلق إشارة البدء في استئناف المحادثات أثناء جولته الشرق أوسطية في مارس الماضي، وبعدها تسلم وزير الخارجية الأميركي «كيري» المهمة، وسافر إلى المنطقة 6 مرات وأجرى محادثات هاتفية لا حصر لها، إلى أن تم إجراء لقاء بين وزيرة العدل الإسرائيلية «ليفني» وصائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين. الرئيس الأميركي التقى المفاوضين يوم الثلاثاء قبل الماضي، وتمخض اللقاء عن اتفاق حول البدء في التفاوض بعد أسبوعين والدخول في مزيد من الأمور التفصيلية. الشيطان يكمن في التفاصيل، فالهدف النهائي هو تدشين دولة فلسطينية تتعايش بسلام مع إسرائيل، وتدشين حدود هذه الدولة أغضب المفاوضين في جولات سابقة، والأمر نفسه في مسألة السيطرة على القدس ومصير اللاجئين الفلسطينيين. وترى الصحفية أن الأميركيين سيكونون أكثر انخراطاً في محادثات السلام، إذا حضر كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني المحادثات وشاركا فيها بشكل شخصي، وهذا قد لا يضمن إبرام اتفاق، لكنه يشير إلى أن المحادثات ليس مجرد عملية استعراضية. تحسن اقتصادي «ورقي»! يوم الأحد الماضي، وتحت عنوان «التوقف الطويل»، خصصت «نيويورك تايمز» إحدى افتتاحياتها على مؤشرات اقتصادية صدرت خلال الأسبوع الماضي، ورأت أن صداها قد يدفع للتفكير في أن الظروف ستتحسن خلال الجزء المتبقي من العام الجاري، لكن هذا قد يكون تفكيراً رغبوياً، والأسوأ من ذلك أنه رغم أهمية الإجراءات التصحيحية التي اتخذتها الحكومة، فإنه لا توجد سياسة مناسبة تلوح الأفق لعلاج المشكلات الاقتصادية. وحسب الصحيفة، فإن التقرير الربع سنوي الأخير يشير إلى نمو في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 1.4 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ما يعكس تباطؤاً في وتيرة النمو قياساً على عام 2012، والسبب في ذلك يعود إلى الاقتطاعات التلقائية من الميزانية وزيادة الضرائب على الرواتب، وكلها أمور ستؤثر على الاقتصاد خلال النصف المتبقي من العام. صحيح أن معدل البطالة تراجع خلال يوليو المنصرم ليصبح 7.4 في المئة بعد أن كان 7.6 في المئة في يونيو الماضي، وربما يعود انخفاض البطالة إلى خروج البعض من القوة العاملة، كما أن نصف عدد الوظائف الجديدة التي تمت إضافتها خلال يوليو الماضي وهي 162 ألف فرصة عمل كانت من نصيب تجارة التجزئة والمطاعم، ما يعني تحول واضح باتجاه الوظائف قليلة الجودة منخفضة الأجور. وفي المقابل لن يكون المستهلكون في ظل هذه الظروف قادرين على دفع الاقتصاد نحو الأمام، فمبيعات السيارات انخفضت، رغم أن التحسن في السوق العقاري يفترض أنه يعزز الطلب على الشاحنات الخفيفة، ما يعني أن التحسن في السوق العقاري وحده لا يحفز الاقتصاد، لأن سوقاً عقارية قوية تتطلب سوق عمل قوية، وهذه الأخيرة لم تتحقق بعد. وفي ظل غياب دور الكونجرس في توفير الوظائف، تعهد أوباما باستخدام صلاحيته التنفيذية لمساعدة الطبقة الوسطى، وضمن هذا الإطار عليه أن يبدأ بتحسين معاملة العمال المؤقتين المنضوين في القطاع الخاص والذين يقاضون أجوراً منخفضة تضطرهم إلى الاعتماد على مساعدات غذائية. أوباما يرغب في إعادة بناء الاقتصاد من «منتصف الطريق» أو من خلال الطبقة الوسطى، لكن عليه أن يبدأ هذه العملية من القاع. وفي الموضوع نفسه، نشرت «واشنطن تايمز» يوم أول من أمس، افتتاحية عنونتها بـ«التعافي الورقي»، وخلصت خلالها إلى أن معظم المؤشرات الاقتصادية لا تظهر أي تعافٍ على الإطلاق، وضمن هذا الإطار أشارت الصحيفة إلى تقرير مكتب إحصاءات العمل الصادر يوم الجمعة الماضي والذي يتحدث عن تراجع في نسبة البطالة بسبب نمو الاقتصاد وتوفير 162 ألف فرصة عمل. لكن السبب يعود إلى أن 130 ألف أميركي ممن يبحثون عن عمل قد تخلوا عن البقاء في قوائم العاطلين، ليس لأنهم وجدوا فرصاً بل لأنهم بعد أسابيع من البحث وجدوا أن جهودهم تذهب سدى، وهؤلاء لا تعتبرهم وزارة العمل عاطلين، ويوجد 4.2 مليون أميركي في طوابير العاطلين طوال مدة تزيد على 27 أسبوعاً، هذا الرقم لم يتحسن، والأمر نفسه بالنسبة لمعدلات التوظيف ونسبة العاملين مقارنة بعدد السكان، والتي ثبتت عند 58.7 في المئة، هذه الأرقام تتغير فقط في حال وجود تعافٍ حقيقي. وتتساءل الصحيفة، ما هي المدة التي سيواصل أوباما فيها استخدام سياساته الاقتصادية المدمرة؟ فزيادة الضرائب والتحفيز المالي قد فشلا في تحسين المؤشرات الاقتصادية، ومن ثم على أوباما تجريب سياسة مختلفة، فبدلاً من الضرائب وتشجيع الإنفاق يمكنه انتهاج سياسة التقشف، فربما القليل من هذا الأخير قد يكون جيداً كخطوة أولى نحو التعافي. نفقات الدفاع يوم الأحد الماضي، وتحت عنوان «الدفاع في تراجع»، قالت «واشنطن بوست» إن وزير الدفاع الأميركي أطلق يوم الأربعاء الماضي تقريراً، مفاده أن مشكلات تمويلية عميقة ستواجه «البنتاجون» التي تسير في اتجاه عجز بمليارات الدولارات يحول دون تلبية احتياجاتها العملياتية الاستراتيجية التي طالب بها أوباما، وفي اليوم نفسه، أخبر الرئيس الأميركي الأعضاء «الديمقراطيين» في الكونجرس بأن «البنتاجون» يجب ألا تحظى باهتمام يفوق بنوداً أخرى في الميزانية، تتعرض هي الأخرى لعملية الاستقطاع التلقائي من الميزانية، وهو موقف تراه الصحيفة بأنه لا ينبغي أن يكون نهائياً من الرئيس الأميركي. وتشير الصحيفة إلى أن الميزانية الأخيرة التي اقترحها أوباما تتضمن تخفيضاً في ميزانية الدفاع يبلغ 150 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما يستطيع وزير الدفاع الأميركي التعامل معه، في حين أن الاستقطاع التلقائي من الميزانية سيفرض على «البنتاجون» تخفيضاً يصل إلى 500 مليار دولار خلال عشر سنوات. «هاجل» لديه تقدير يتمثل في إمكانية إغلاق المنشآت غير الضرورية والمكاتب، وهذا يضمن توفير 60 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، ويمكن تخفيض تكلفة العناصر البشرية بعدما ازدادت بنسبة 40 في المئة جراء التضخم ما قد يوفر 50 مليار دولار، وإذا تم فرض معايير أكثر شدة على العناصر البشرية قد يصل حجم التوفير في مخصصاتها إلى 100 مليار دولار، وبمقدور وزارة الدفاع تقليص حجم بعض فروعها مثل طائرات الشحن والقوات البرية والجوية. وحتى إذا وافق الكونجرس على مقترحات «هاجل» لتحفيض الإنفاق الدفاعي، وهذا أمر تستبعد الصحيفة حدوثه، فإن محصلة التخفيض ستكون أقل بكثير من الاستقطاع التلقائي من ميزانية الدفاع (500 مليار خلال عشر سنوات)، وفي هذه الحالة ينبغي على وزير الدفاع الاختيار بين أمرين، إما التفوق التقني أو الكثرة العددية، وإذا اختار الأولى، سيكون عليه الإبقاء على قوة مهيمنة من الناحية التقنية لكنها أصغر حجماً وقادرة على العمل في أماكن أقل والقيام بمهام أقل، خاصة إذا وقعت أزمات متزامنة في مناطق مختلفة من العالم. أما الخيار الثاني القائم على الكثرة العددية، فيوفر قدرة على الانتشار على الصعيد الدولي، لكن بأنظمة تسليح عتيقة سرعان ما يجد منافسو أميركا طرقاً سهلة لمحاكاتها. إعداد: طه حسيب