هل هناك رابط ما بين قتال الجيش المصري مع جماعات "جهادية" في سيناء وقتال الجيش التونسي مع جماعات مماثلة في جبال الشعانبي؟ في الظاهر نعم، في التفاصيل لا. أو هذا على الأقل ما توفره المعطيات الراهنة. لكن، لا بأس بمتابعة الظاهرة في أماكن أخرى: ففي اليمن لا تزال الحرب على "القاعدة" مستمرة رغم الضربات التي تعرض لها التنظيم على أيدي الجيش والمواكبة الأميركية الفاعلة. وفي ليبيا بلغت خطورة "القاعديين" أقصاها بعد انسلال هؤلاء في نسيج التيار الإسلامي وميليشياته والوجود القوي الذي تأمن لهذا التيار بفعل الثورة، التي أطاحت بالنظام السابق، ونشرت الأسلحة على نحو لم يشهده أي بلد من قبل، بل تخطت الحدود لتصل إلى كل مكان، بما في ذلك مصر وتونس. نأتي إلى سوريا، حيث استغلت الجماعات "الجهادية - القاعدية" الصراع الدامي الذي افتعله النظام. ويتفق الخبراء على أن هذا النظام هو الذي أشرف على نشاط الإرهابيين المتسللين إلى العراق بدءاً من منتصف عام 2003، وهو الذي استفاد إلى أقصى حد من عودتهم إلى سوريا، إذ إنهم باتوا يشكلون اختراقاً خطيراً لمناطق سيطرة معارضيه، وقد شاركوا منذ أوائل 2013 في القتال ضده ليكسبوا تعاطف الثوار، ثم قعدوا يوطدون سيطرتهم، وإنشاء "إماراتهم" والتحكم بالحياة اليومية للناس. عودة إلى سيناء، فالمواجهات هناك اندلعت بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وما هي إلا أيام حتى تأكد أنها مرتبطة مباشرة بالجراحة العميقة التي أجرتها "ثورة 30 يونيو" للدولة واستئصال السرطان: الإخواني" قبل استفحاله وانتشاره. وما تشهده مدينة العريش وجوارها هي حالة حرب على الإرهاب تلبَّس بها "الإخوان" علناً للمرة الأولى، بعدما تمكنوا لأعوام طويلة من الإيحاء بأنهم مختلفون عن الجهاديين المتطرفين. ومن المؤكد أن محمد البلتاجي، أحد قادتهم، ارتكب زلة لسان فاضحة عندما قال إن القتال في سيناء سيتوقف في "الثانية"، التي يعود فيها مرسي إلى منصبه، أي أنه لن يتوقف إطلاقاً إلا إذا تم سحقه عسكرياً. لعل الأمر يختلف في تونس، إذ إن جماعة "أنصار الشريعة" ولدت هامشية وظلت كذلك، لكنها كبرت وتدججت بالسلاح وراحت تقتل وترتكب حتى صارت تهديداً خطيراً لأمن البلد. وإذا صحّت المعلومات التي تبنتها الحكومة وأعلنتها، فإن هذا التنظيم وضع لائحة اغتيالات واستطاع حتى الآن تصفية اثنين من معارضي التيار الإسلامي الذي تتبوأ حركة "النهضة" زعامته، ولم يتعرض أي من قادتها أو قادة التيار السلفي لأي محاولة. فماذا يريد هذا التنظيم، ولماذا يستهدف أفراد الأمن والجيش، ومن يخدم بهذا الاستهداف؟ كل الأسئلة من هذا النوع توسع دائرة الشك والظن، خصوصاً أن بعض تصريحات "النهضويين" معطوفة على التجربة المصرية تعكس رغبة الإسلاميين في الإمساك بقيادة الجيوش كوسيلة وحيدة حاسمة للتمكن من الحكم والدولة. ورغم أن ليبيا لا تملك حتى الآن جيشاً أو حتى قوى أمن تأتمر بأمر الحكومة، فإن الظواهر نفسها تترى في بنغازي وطرابلس. ولا يختلف اغتيال عبدالسلام المسماري بعد خروجه من المسجد في يوم جمعة رمضاني، عن اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، إلا بوقاحة الأسلوب. وفي الحالين دخلت عمليات الاغتيال إلى صلب الصراع السياسي لتزيد المخاطر أمام كل معارض للتيار الإسلامي. وكما في ليبيا، كذلك في تونس، لم تخطئ ردود الفعل الشعبية، عن خطأ أو عن صواب، أن القتلة الذين يجري تنسيبهم إلى "الجناح المتطرف" ينفذون عمليات تحقق أهداف "الجناح المعتدل" من دون أن يظهر أنه وراءها. لا شك أن الحدث المصري أفقد جماعات الإسلام السياسي صوابها، إذ خسرت لتوها إنجازاً كانت تعتقده وطيداً ومستداماً، ولم تتصور أبداً أنها ستفقده. ولعل هذا السقوط في مصر أشعر "الإخوان" الآخرين بضرورة استيعاب الدرس واستباق الأحداث. غير أن الذهاب إلى العنف والإرهاب، هو تحديداً، وصفة درء الأخطاء بالأخطاء، وتأكيد للسقوط الفعلي.