في السنوات الإحدى عشرة الماضية تم جزء كبير من السياسة الخارجية الأميركية في جهود سرية قادتها وكالات الاستخبارات لحماية الأمن القومي في الخارج. ورغم نجاح هذه الجهود أحياناً، فقد تجاوزت حدود الوسائل المخصصة لها. وتوسعت العمليات السرية اليوم، لتتضمن ما كان يعتبر تقليدياً وظائف دبلوماسية وعسكرية علنية، ولتطمس الحدود بين السلطات وتترك الجمهور في حيرة. ولضمان استمرار العمل السري، يتعين علينا أن نضمن ألا يسيء رئيس أو يفْرط في استخدام هذه العمليات لمجرد سهولتها أو للرغبة في تجنب الرقابة والنقاش. ولذا فمن المهم أن نسأل: ما مقدار ما يدار بالطريقة السرية من السياسة الخارجية الأميركية. والإجابة، لسوء الحظ، هي أنه كثير جداً فيما يبدو. وعندما سعى أوباما إلى إشراك الكونجرس في التفويض باستخدام القوة العسكرية، بموجب القانون المعروف بهذا الاسم لعام 2001، والذي يمنح الرئيس سلطة استخدام القوة ضد الضالعين في تفجيرات 11 سبتمبر، كان قد آن الأوان للكشف عن اعتمادنا على العمل السرى وإخضاعه لجدل سياسي حقيقي ومراقبة. وفي العواقب الآنية لهجمات 11 من سبتمبر، نقلت وكالات الاستخبارات الأميركية الكفاح إلى أرض العدو، لتعمل على حماية المصالح الحيوية الأميركية وإمداد صانعي القرار بالمعلومات، وإعداد ساحة القتال في أفغانستان لرجالنا ونسائنا في الزي العسكري. يبين هذا الجهد وما تلاه من جهود قيمة العمل السريع والحاسم والدقيق لوكالات الاستخبارات. ومنذ ظهور مجتمع الاستخبارات الحديث عام 1946، يشهد عدد من العمليات التي كُشف عنها بالدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه هذه العمليات في تعزيز المصالح الأميركية. فمجرد وجودها يؤكد أن العمل العسكري العلني ليس الخيار الوحيد عندما تفشل الدبلوماسية. وتستطيع الأعمال السرية أيضاً أن تقدم للمتعاونين مع أميركا طريقة مستساغة للإنكار. لكن التزايد المطرد للعمل السري عصف بالآثار أيضاً، بل يمكن أن يقوض أهداف السياسة الخارجية المعلنة. وفي وقت مبكر هذا العام زُعم أن الرئيس الأفغاني تلقى أموالا من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. أي.أيه) لأكثر من عقد، وقدرت قصص صحفية المبالغ بعشرات الملايين من الدولارات. لكن الأسئلة بشأن مسؤولية محولي المال الذي يقدمه دافعو الضرائب الأميركيون تم سحقها. فإذا كانت المزاعم سليمة، فإنها تثير مسائل مهمة في السياسة الخارجية ليس أقلها أن أحد أعمدة المساعدة الأميركية في أفغانستان هو تعزيز حكم القانون ومحاربة الفساد. يتعين أيضاً ألا تكون الأعمال السرية بديلاً عن العمليات العسكرية. فبينما يدير البنتاجون حملة طائرات بلا طيار تستهدف إرهابيين في اليمن، تشير تقارير منشورة إلى أن المجتمع الاستخباراتي يقوم ببرنامج مواز كبير النطاق والحجم. ورغم أن نجاح الكثير من هذه العمليات ليس محل نزاع، فمن الواضح أن جهودنا الواسعة لمكافحة الإرهاب، ينبغي ألا تعالج في المقام الأول عبر العمل السري المخصص لظروف خاصة. وأعلنت إدارة أوباما أن مسؤولية معظم أنشطة الطائرات بلا طيار سوف تنتقل إلى وزارة الدفاع، لكن يتعين بذل الكثير كي تُمارس الأنشطة الهجومية الأميركية علناً. وعلى وجه الخصوص، يتعين على الرئيس والكونجرس أن يعملا معاً ليضمنا، على المدى الطويل، تنفيذ العمليات الهجومية واسعة النطاق علناً، وأن يختص العمل السري بالجهود الأكثر دقة والأكبر قيمة. ولا تقتصر المشكلة على عمليات تحويل المال أو عمليات سرية لمكافحة الإرهاب. ففي مايو الماضي، وافقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، على مشروع قانون يقدم الأسلحة والتدريب المطلوبين للأفراد الموثوق بهم من المعارضة السورية. يتعارض هذا النوع من النقاش العلني مع نهج إدارة أوباما التي تدير مشاوراتها خلف ستار. ولا يفتقر هذا النهج للحسم فحسب، لكنه يمنع فعلياً أي جدل حقيقي عن السياسة الأميركية في سوريا. ويتعارض مع المطلب التشريعي الذي يفيد بأن «دور حكومة الولايات المتحدة... يجب ألا يكون ظاهراً أو معترفاً به علناً» في الأعمال السرية. وهذا ليس لنوحي بأن الولايات المتحدة عليها تجنب الوسائل السرية لتعقب الإرهابيين أو لحماية المصالح الأميركية، بل لكن لنشير إلى أنه يتعين تطبيق معايير تضمن التنسيق الجيد للسياسات الأميركية، وأن تتحرك في نفس الاتجاه، وأن العمل السري لن يستخدم ببساطة لتجنب المناقشة العلنية والمراقبة. من الإجحاف بمجتمع الاستخبارات أن نطلب منه تحمل مسؤولية السياسة الخارجية والقتال في الحرب، إلا في حالات فريدة حقاً عندما يكون الأمن القومي في خطر. العمل السري أداة قيمة، لكن سوء استخدامها أو الإفراط في استخدامها يقوضها. المفقود حقاً في هذه المعادلة هو مسؤولية الكونجرس في وضع الإدارة موضع مساءلة فيما يتعلق بمسائل السياسة الخارجية. والآن لدينا فرصة فريدة لحل هذه المشكلة على الأقل فيما يتعلق بعملياتنا المتعلقة بمكافحة الإرهاب. ومنذ إقرار التفويض باستخدام القوة العسكرية عام 2001، جلس الكونجرس صامتاً، بينما خدم آلاف من الجنود الأميركيين في طريق الآلام في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى. يتعين إنهاء هذا التقاعس في أداء الواجب. وعلى الكونجرس مناقشة تفويض جديد باستخدام القوة العسكرية يلائم التهديدات والتحديات التي نواجهها اليوم. ----- بوب كروكر سيناتور جمهوري عن ولاية تنيسي وعضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية ------ ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»