من المفارقات الصحية المؤسفة في القرن الواحد والعشرين، إنه في الوقت الذي يجتاح العالم وباء من السمنة، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية بأن 1.5 مليار شخص مصابين بزيادة الوزن، منهم 500 مليون يعانون من السمنة المفرطة؛ 200 مليون من الذكور و300 مليون من الإناث، نجد أن سوء التغذية مسؤول عن 45 في المئة من الوفيات العالمية بين الأطفال، دون سن الخامسة، على حسب ما طرحه مجموعة من الباحثين في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة (Lancet). حيث يقدر هؤلاء الباحثون أن سوء التغذية، يتسبب في وفاة 3.1 مليون طفل سنوياً، قبل أن يبلغوا الخامسة من العمر. ويعرّف سوء التغذية، في مفهومه العام، على أنه الحالة الصحية التي تنتج من تناول غذاء إما أن يفتقد بعض المكونات أو المغذيات (nutrients)، أو أن تتوافر فيه بعض المغذيات بكميات كبيرة وبشكل مفرط، أو أن يفتقد التوازن بين أنواع المغذيات المختلفة. وينتج عن هذه الاختلالات عدة أمراض، تعرف باضطرابات التغذية، والتي تتوقف أعراضها وعلاماتها على نوع المغذي الناقص أو الوافر. وترد غالبية حالات سوء التغذية في معظم دول العالم إلى النوع الناتج عن نقص المغذيات، بسبب تناول غذاء يفتقد الكميات الكافية من السعرات الحرارية والبروتينات، بمعنى قلة كمية الغذاء، أو انخفاض نوعيته. وإذا ما تفاقمت هذه النوعية من سوء التغذية وبلغت أشدها، فتوصف الحالة حينها بالمجاعة، أو الجوع المزمن والشديد. ورغم أن سوء التغذية غالباً ما يصيب سكان الدول النامية والفقيرة، إلا أن سكان الدول الصناعية والغنية لا يسلمون منه أيضاً، وإن كان غالباً ما يكون سوء التغذية في تلك الدول ناتجاً عن غذاء غير صحي أو غير متوازن، أو غذاء يحتوي على مقادير كبيرة من الطاقة، ومن الدهون، والكربوهيدرات. وهو ما يعني أن سوء التغذية لا ينطبق فقط على من لا يجدون ما يكفيهم من الطعام، بل أيضاً على من يتناولون الكثير منه، مما يجعل زيادة الوزن، والسمنة المفرطة، تصنف طبياً أيضاً على أنها إحدى اضطرابات التغذية. وغالباً ما ينتج فرط التغذية، وما يصاحبه من زيادة وزن وسمنة، من جراء انخفاض نوعية الغذاء، والاعتماد على أطعمة مرتفعة القيمة في السعرات الحرارية، ومنخفضة القيمة في المكونات الغذائية الأخرى الضرورية والأساسية. وهذا السيناريو كثيراً ما تتعرض له الطبقات الاجتماعية الفقيرة في الدول الغنية، التي تعجز مصادرها عن توفير غذاء صحي متوازن، كما أنه يحدث بين الطبقات الاجتماعية الغنية، نتيجة ضعف الثقافة الغذائية، أو النهم الشديد والإفراط. النوع الآخر من سوء التغذية، أو النوع الناتج عن نقص وقلة وشح المغذيات، تشير التقديرات إلى أنه في عام 2010، كان يصيب 925 مليون شخص، وهو ما يشكل زيادة بمقدار 80 مليون عن المصابين بهذا النوع من سوء التغذية عام 1990، على الرغم من أن الإنتاج العالمي من الغذاء حالياً يكفي لإطعام السبعة مليار إنسان الذين يقطنون سطح كوكب الأرض حالياً، بل يمكن للإنتاج العالمي من الغذاء أن يوفر التغذية الكاملة والمتوازنة لـ12 مليار شخص. وعلى رغم أن سوء التغذية يصيب جميع الفئات العمرية، إلا أن الأطفال يعتبرون الفئة الأكثر عرضة لمضاعفاته، حيث يعيش 70 في المئة من الأطفال المصابين بنقص البروتين والطاقة من الغذاء في آسيا، و26 في المئة في أفريقيا، و4 في المئة في أميركا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي. وتفسر المفارقة المتمثلة في أن واحد من كل سبعة من أفراد الجنس البشري يعانون من نقص وسوء التغذية، على الرغم من أن الإنتاج العالمي من الغذاء يكفي للجميع بل يمكنه أن يبلغ الحجم الكافي لضعف سكان الأرض حالياً تقريباً، بعدة أسباب، بعضها مباشر وبسيط، والبعض الآخر أكثر تعقيداً واستعصاء على الفهم. أحد هذه الأسباب، والمثير للدهشة، أظهره تقرير صدر عن معهد المهندسين الميكانيكيين في بريطانيا (Institution of Mechanical Engineers)، وأوضح أن ما يقارب نصف الإنتاج العالمي من الغذاء، أو ما يعادل ملياري طن، يفقد ويذهب سدى. ويلقي تقرير المعهد البريطاني باللوم خلف هذه الظاهرة على سوء التخزين، وأسلوب الشراء بكميات ضخمة للحصول على تخفيضات من المنتجين، وعلى حرفية الالتزام بتاريخ الصلاحية المدون على العبوات الغذائية، وسلوك المستهلكين الحاليين المرفه والمدلل. السبب الآخر، ضمن مجموعة المفارقات المؤسفة خلف هذا الوباء العالمي من سوء التغذية، هو الارتفاع الذي تشهده حالياً أسعار الغذاء، على الرغم من وجود فائض في الإنتاج، وفي السعة أو القدرة الإنتاجية أيضاً. حيث أظهرت دراسة مسحية في خمس دول، أن ارتفاع أسعار الغذاء، أضطر حوالي ربع مليار من الآباء إلى استقطاع كمية ونوعية الغذاء الذي يقدمونه لأطفالهم، بالإضافة إلى أن ثلث الآباء الذين شملهم المسح قد صرحوا بأن أبناءهم يشكون مراراً من قلة الطعام، كما أن واحداً من كل ستة من هؤلاء الآباء، قد اضطر إلى إخراج أبنائه من المدارس، وقطع تعليمهم، حتى يعملوا في أعمال يدوية لا تتطلب مهارات، لمجرد المساعدة في شراء الطعام لأفراد الأسرة.