لم يعد ثمة قلق من كون الثورة السورية منتصرة لولا أن الوقت يمر على دماء زكية طاهرة تدفع ثمن الحرية وتؤكد على أن الأحرار وأصحاب الحق بالهم أطول من الزمن ذاته مهما كان عنف الطاغية وجبروته. لماذا مهم أن ينتصر أصحاب الحقوق، لأن الأمر يتعلق في المقام الأول بالسنة الكونية التي تجتث الظلم من جذوره وإنْ طال به الأمر لدرجة أنه يحسب أنه من المخلدين، وتأتي الصاعقة لتقتلعه كما فعل التاريخ بأمثاله الكثيرين. والحقيقة أن الخوف من الهيمنة الإيرانية على المنطقة هاجس يعكس أن مصدر القلق الأهم يكمن في حسم معركة بين نظام بائد وثوار لما كان هناك من وقت إلا وحسمت الأمور لصالح أصحاب الحق. إيران تتدخل بشكل علني في حرب عقدية في منطقة غالبية سكانها مسلمين سُنة وأهل السياسة أعلم أن المذهب العقدي ما هو إلا ستار يختبئ خلفه طمع سياسي بالسيطرة والهيمنة على كامل المنطقة، ورغبة في انتزاع هيبة هذه الدول وجعلها تحت السيطرة الإيرانية. وقد أدى هذا العزف النشاز على العقيدة وعلى انتشار اضطهاد الأغلبية للأقلية، إلى زرع أخضر يافع للفتنة، وشق الصف الاجتماعي الواحد. فلم يعد التسامح لغة القوم في التعامل مع الآخر، بل بات الأمر ينطوي على نبرة غريبة من الغرور والادعاء واجترار التاريخ الذي فُتحت فيه فارس على يد فارس عربي مسلم. وأرى أن هدم مسجد أنما هو دلالة على أن التاريخ ما زال يحفر أخدوداً من الغضب لدى الإيرانيين. هذه السيكولوجية نراها بوضوح في عمليات الإعدام التي تنفذ في إقليم خوزستان فقط، لأنهم معارضون عرب. لسوريا دور مفصلي في استقرار المنطقة، والهيمنة الإيرانية عليها لن تكون في صالح أحد إلا إيران وسيدفع أهل الخليج الثمن غالباً، في سوريا ثورة لأصحاب الحق والمظالم الذين ذاقوا كل أصناف العذاب طيلة أربعين عاماً. فخسارتنا للعراق يجب أن لا تتكرر في سوريا، والسعي في اتجاه زوال الطاغية عنها لا يعني أنها تذهب وجبة سهلة لإيران لتمسك مفاصل المنطقة وتضعف دولها ووجودها ذات يوم. قراءة التاريخ أمر سهل وغير مكلف، والمكلف والقاسي هو تجاهل التاريخ وتعاليمه وحكمته التي إنْ تغافلنا عنها سقطنا تباعاً في قبضة شرسة لا تعرف غير جنون السيطرة والانتقام لتاريخ غابر. يتحتم علينا أن ندعم هذه الثورة بكل ما نملك، لنضمن وجودها ضمن إطار سياسي معتدل وموال للمنطقة العربية حتى لا ينتهي بها الأمر أن تقف في صف العراق للأبد، ولا نسمع عنها إلا تفجيرات وحاله موت لا نهائي للناس والمكان والتاريخ على قدم المساواة وبكل الأسى.