في كرة القدم متوقع من اللاعب أن يستمر في بذل أقصى جهده حتى الدقيقة التسعين، أي عندما تنتهي المباراة، بل إنه يستعد كي يلعب أكثر من ذلك إذا تقرر وجود أشواط إضافية، وإن عجزَ الفريق عن ذلك أو بعض اللاعبين، فإن الأمر في الغالب يعود إلى لياقتهم البدنية التي تحتاج إلى المزيد من التدريب، والذي من خلاله يتعود اللاعب على بذل جهد فوق المتوقع منه. وفي كل حصة تدريبية يتعلم كيف يضغط على نفسه ويدرب عضلاته، كي يجني في النهاية مستوى من اللياقة تمكنه من المضي قدماً في أشواط المباراة المختلفة مهما كانت التحديات، حتى يحقق الهدف والفوز، الأمر الذي إنْ أنجز، فإن كل لاعب ينسى الجهد والتعب ويتلذذ بالفوز بعد النَصَبِ. مع فارق التشبيه كذلك هي حياة الإنسان في الدنيا، أرض التعب: «إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه». لكن الفرق يكمن في النجاح بمعايير رب العباد « إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً» النساء104. المؤمن تكمن حقيقة قوته في طاقته الروحية التي تجعله قادراً على مواجهة تحديات الحياة مهما قست، ففي علم النفس نتعلم دائماً أن نفس الحدث يتعرض له أكثر من شخص، لكن قدرة الإنسان على إعادة التكيف والحياة من جديد رغم كل التحديات تتلخص في بيئته الداخلية وطاقته الإيمانية التي تجعله يستشعر دائماً أن وراء كل محنة منحة، وأن الأمر لله من قبل ومن بعد. رمضان دورة مكثفة للإنعاش الإيماني وفرصة لتطوير طاقاتنا ولياقتنا الروحية، كي نسعد في أشهر السنة المتبقية، وبمقدار ما يبذل الإنسان من جهد لتطوير طاقته الإيمانية خلال هذا الشهر، بالقدر الذي يتمكن فيه من النجاح والتميز خلال الأشهر التالية. في رمضان، نحن نمتنع عن المباح خلال نهار الصوم، فلا يقرب الإنسان ما أحل الله له من زوجة، ولا يأكل ولا يشرب... هذه أمور مباحة ولست محرمة لكن حكمة الله اقتضت أن يمتنع الإنسان عن هذه المباحات، كي يدرب نفسه على أن يقول لا للمحرمات في رمضان وبعده... وعندها تنتهي حجة من يقول إني لا أقدر على ترك التدخين مثلاً، فقد تمكنت من هجر الدخان خلال شهر رمضان، فإنْ أردت وقررت، فبإمكانك الاستمرار على ذلك بعد الصوم. الأيام التي نعيشها في ختام هذا الشهر هي الأقسى، والأشد تعباً في اللياقة الروحية، لذلك نجد أن هناك سنناً يقوم بها المسلم في هذه الأيام من الشهر الكريم، هي في حقيقتها تتويج للجهد الإيماني المبذول طوال الشهر فقد ورد أن النبي محمد عليه الصلاة السلام، كان يعتكف للعبادة في العشر الأواخر من رمضان، كما أنها تحتضن ليلة القدر، كي يستمر المسلم في بذل الجهد والتسابق للأجر حتى نهاية الشهر. فإن كنت ممن فقد لياقته الروحية وشعر هذه الأيام بالملل من العبادة والتسويف في الطاعة، فقد فاتتك أهم أهداف هذا الشهر الكريم إنها اللياقة الروحية التي تشحنك لمواجهة تحديات الزمن. تذكر دائماً مشهد الفرحة في كرة القدم عند تسجيل الهدف في الدقائق الأخيرة من المباراة، هل يتذكر اللاعب عندها التعب والمشقة أم يعيش لذة الفرحة، كذلك العبادة فيها مشقة لكن عاقبتها سعادة لا يعرفها إلا من ذاقها. الكل يتعب في هذه الدنيا، ولكن العقلاء فقط هم الذين يتلذذون بالتعب هنا كي يستمتعوا بالأجر والثواب في الآخرة.