بين وعود «أولاند» الانتخابية... وهزيمة برلسكوني القضائية وعود الرئيس الفرنسي للشباب خلال حملته الرئاسية، وإدانة رئيس الوزراء الإيطالي السابق قضائياً، وانتعاش فرص إيجاد تسوية للملف النووي الإيراني، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. الوعد المنسي نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان «وعد فرانسوا أولاند المنسي» أعادت فيها التذكير بعدم وفاء الرئيس الفرنسي بأحد أبرز وعود حملته الانتخابية للشباب، مستهلة الكلام بإيراد قوله حينها: «إذا تسلمت أمور البلد، وتم اختياري كرئيس مقبل، أريد ألا يُحكم عليَّ إلا انطلاقاً من منظور واحد... هل ستكون ظروف حياة الشباب أفضل في سنة 2017 مما كانت عليه سنة 2012؟ إنني أطلب أن يقيّم أدائي بناء على هذا التعهد وحده. وليس هذا تعهداً يسيراً أقطعه. بل يقتضي تعبئة الأمة كلها لكسب هذا الرهان». كان هذا ما قاله المرشح الرئاسي حينها أولاند يوم 22 يناير 2012 في «بورجيه»، وكان بهذا الخطاب الدعائي الانتخابي يدغدغ أحلام شباب محبط، يشعر بأنه قد تعرض للخذلان و«الخيانة» من طرف الطبقة السياسية لفترة مديدة. بل إن أولاند نفسه وصف هؤلاء الشباب بأنهم ضحايا، ومهمَلون، ومنسيون... وهتف في غمرات حماسته الخطابية الانتخابية: «من أجل شباب بلادنا أريد أن أصبح رئيساً». وحتى قبل انتخابه في الرئاسة بشهر واحد، وتحديداً في 4 أبريل 2012 في «رينز» أعاد أولاند التأكيد أيضاً على هذه «الأولوية الوحيدة» متوعداً بتخصيص «وزارة دولة كبيرة لتحقيق هذا الطموح»! ولكن أين ذهبت الآن كل تلك التعهدات والوعود، والبطالة تضرب بقوة في صفوف الشباب، حيث إن واحداً من بين كل أربعة شباب ممن تقل أعمارهم عن 25 سنة يعاني من البطالة، و27 من الشباب من حملة الشهادات يحلمون بإيجاد فرص عمل خارج فرنسا، مقابل ما كان عليه الحال في العام الماضي 2012، حيث كانت تلك النسبة لا تتجاوز 15 في المئة فقط. وفي ضوء هذا الواقع الصعب، ألم تبق الشرائح الشابة منسية ومهملة ومضحىً بها، وبحاضرها ومستقبلها، على رغم مرور أكثر من سنة على وصول أولاند إلى قصر الأليزيه؟ ومع هذا تعترف الصحيفة أيضاً بأن الحال لم يصل إلى حد يسمح بالحديث عن هجرة جماعية للأدمغة والكفاءات خارج البلاد، تحت ضغوط الواقع الاقتصادي والتشغيلي الداخلي، أو جرياً وراء إغراءات العولمة. كما أن الأزمة الاقتصادية ليست أيضاً هي السبب الوحيد في تنامي مستويات الرغبة في البحث عن فرص عمل في الخارج. ولكن بيت الداء الحقيقي بالنسبة للشبيبة الفرنسية هو وجود أعداد كبيرة ممن يدفعهم الإخفاق الدراسي للدخول إلى سوق العمل دون مؤهلات. والحال أن كل تلك التعهدات التي أطلقها أولاند لم يتم الوفاء بها حتى الآن، ولذلك لم يتغير شيء وما زال واقع الشباب على حاله. وما زالت أمام أولاند أربع سنوات أخرى من ولايته الرئاسية، ويستطيع فعل الكثير للوفاء بتلك التعهدات إن أراد. وعلى رغم الإكراهات في الميزانية، فقد عبر مع ذلك عن التزامه تجاه قطاع التعليم الوطني، بخلق 6 آلاف وظيفة إضافية مقررة خلال أربع سنوات، وإن كان هذا الخيار الكمي، أيضاً، ليس بالضرورة أن يكون لصالح جودة العملية التربوية نفسها. وأكثر من هذا فقد أطلق الرئيس أيضاً ما سماه «تشغيل المستقبل» للشباب، كما ابتدع كذلك «عقد الأجيال»، وإن كان كل هذا لا ينفي في المقابل أن الوظائف المدعومة ليست بالضرورة حلاً قابلاً للاستدامة، كما أن الاستمرار في دعوة المشغلين لوضع ثقتهم في الشباب ليس كافياً، بل لابد من عمل متواصل من أجل إحداث التغيير في المنظومة التعليمية نفسها قبل البحث عن إيجاد هذا التغيير في سوق العمل. وعلى أولاند في كلتا الحالتين ألا ينسى وعده للشباب، لأن إنجازه ما زال يتطلب الكثير. ظاهرة برلسكوني تحت هذا العنوان حلل الكاتب «إيف تريّار» في مقال بصحيفة لوفيغارو بعض أبعاد وخلفيات الحكم القضائي الصادر ضد رئيس الوزراء الإيطالي السابق سلفيو بلسكوني، مبرزاً أن الحكم الآن في قضية Mediaset بسنة من السجن (مع ثلاث سنوات شملها عفو) على الزعيم المثير للجدل يمثل في الواقع إدانة صريحة، وإن كان أيضاً لا يشكل استبعاداً نهائياً له من المشهد السياسي المستقبلي. ومع هذا فلم تعد أمام برلسكوني، المعروف في الإعلام الإيطالي بلقب «الفارس»، أية فرصة للطعن في هذا الحكم. وإن كان من المرجح كذلك أن يتم وقف تنفيذ الحكم نظراً لسن رئيس الوزراء السابق (76 سنة)، إلا أن هذه هي المرة الأولى، على كل حال، التي تتم فيها إدانته، وهذه سابقة، وصفعة بل هزيمة لرجل تمكن حتى الآن من الإفلات من قبضة العدالة في ألف قضية وقضية. وهو هنا يخفق فيما نجح فيه سلفه جوليو أندريوتي، الذي توفي في بداية هذه السنة. فقد كان ذلك السياسي الديمقراطي المسيحي أحد أكثر الوجوه السياسية الإيطالية إثارة للجدل، ومع هذا خرج بسجل أبيض تماماً من أية إدانة قضائية، وخاصة فيما يتعلق بالاتهامات التي كانت توجه له بالتواطؤ مع «المافيا». ومع هذا لا يمكن أيضاً أن تسير مجريات المشهد السياسي الإيطالي من دون برلسكوني، الذي يسمى هناك بـ«التمساح». وأكثر من ذلك أن تشكيلته السياسية المسماة «شعب الحرية» ما زالت تعتبر مكوناً مهماً في الائتلاف الحكومي، ومن ضمنها خمسة وزراء، لو قرروا الانسحاب من الحكومة سيؤدي ذلك إلى أزمة جديدة. ولاشك أن الأمر سيتوقف على طبيعة الأوامر التي سيصدرها «الفارس» لوزرائه خلال الأيام المقبلة. وهذا سيتوقف هو أيضاً على ما سيكون على مزاجه هو الخاص: أكان محتدّاً أو تصالحياً. وهو على كل حال من يمسك بيده كل مفاتيح اللعبة. وفي الأخير يقول الكاتب: شئنا أم أبينا، فهذا الرجل «ظاهرة»، كما يقال عادة عن بعض الرياضيين. ولذا فسيبقى ذا شعبية كبيرة في بلده، حتى لو كان نجمه قد خفت بعض الشيء خلال السنوات الأخيرة. ومن جانبه نقل الكاتب فرانسوا سيرجان في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون عن برلسكوني بعض انتقاداته المعهودة للقضاة، متسائلاً عما إن كانوا قد تمكنوا أخيراً من الإيقاع به؟ مجيباً بأن زعيم اليمين الإيطالي لاشك تلقى الآن ضربة قضائية وسياسية، وإن كانت القضية التي أدين فيها ليست أيضاً هي أخطر ما كان يوجه إليه من اتهامات. غير أن هذه الإدانة في حد ذاتها تجعل القضاء الإيطالي جديراً بالتهنئة، لتمكنه أخيراً من الانتصار على زعيم لطالما سخّر إمبراطورياته المالية والإعلامية والسياسية لجعل القضاء غير قادر عملياً على إدانته في أي اتهام. والآن وقد تمكن القضاة من أداء عملهم بإدانة برلسكوني، يتعين أيضاً على السياسيين أداء عملهم تجاهه بنفس الفاعلية. النووي الإيراني في صحيفة لوموند كتب «ستاليناس دو لابولاي»، وهو مدير سياسي سابق بوزارة الخارجية، مكلف بالتفاوض حول برنامج إيران النووي من 2003 إلى 2006، مقالاً بعنوان «النووي الإيراني: هل العودة إلى روح المقايضة لسنة 2003 ممكنة؟»، مذكراً بأن الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، الذي سيتسلم مهامه اليوم الأحد، كان هو المكلف بالتفاوض عن بلاده بشأن الملف النووي، خلال الفترة من 2003 إلى 2005. والآن بعد انتخابه قال إنه يرغب في العودة إلى التفاوض للتوصل إلى اتفاق يرى أنه كان في المتناول أصلاً عندما كان هو في موقع المفاوض. فما مدى إمكانية ذلك، وهل كانت تلك فعلاً فرصة تم إهدارها؟ الحال أن دوفيلبان وفيشر وسترو، الذين كانوا حينها، علي التوالي، وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، حين توصلوا مع روحاني، في أكتوبر 2003 بطهران، إلى اتفاق لوقف تخصيب اليورانيوم من قبل الإيرانيين، كان ذلك سياقاً استثنائياً، بكل المقاييس، يقول الكاتب. ولكن منذ 2002 ظل ما يتكشف من حين لآخر من معلومات عن مواقع سرية إيرانية مثار قلق كبير من قبل المجتمع الدولي. ولذلك ضغطت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومديرها السابق محمد البرادعي، على طهران من أجل السماح بتكثيف التفتيش الدولي، ووقف كل أنشطتها النووية التي يمكن أن تكون ذات أبعاد عسكرية. ويربط الكاتب بين ليونة الموقف الإيراني في تلك الفترة وواقع ما بعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق. وبعد تفكيك البرنامج النووي الليبي، انكشفت شبكة عبدالقدير خان لتهريب التقنية النووية، وأثير فيها أيضاً اسم إيران مثل ليبيا وكوريا الشمالية، ولئن كان الواقع الآن مختلفاً فإن وصول المفاوض السابق في تلك الفترة إلى منصب رئاسة الجمهورية في طهران يعيد اليوم إحياء الآمال بإمكانية تعاون إيران بشكل أكبر واستجابتها لتطلعات المجتمع الدولي ومطالبه بشأن ملفها النووي المثير للقلق. إعداد: حسن ولد المختار