كان لمأساة مقتل تريفون مارتن أن تشعل موجة من الاحتجاجات في أوساط الرأي العام الأميركي، وأن تسبب موجة أخرى من الموجات الارتدادية على طول الطريق المؤدية إلى البيت الأبيض. وقد أوحت ردة الفعل العاطفية الفورية للرئيس أوباما حول العلاقات العرقية في أميركا بالحاجة لإطلاق حوار وطني جامع حول مفهوم «العرق» race ولكنه عبر أيضاً في الوقت ذاته عن شكّه في أن يتبنى السياسيون فكرة المشاركة فيه بالفعالية المطلوبة. ويبدو أن أوباما مصيب في هذه النقطة. فقد أزفت الساعة بالنسبة للمواطنين كافة للمشاركة في مثل هذا الحوار لأنه يسمح لنا بإضافة لبنة أخرى إلى مؤسساتنا الديمقراطية. ويمكننا أن نتوقع تسجيل قفزة واسعة في الطريق نحو إطلاق الحوار حول قضايا العرق والديمقراطية والسياسة العامة التي أصبحنا بحاجة ماسة لمناقشتها جميعاً في كافة أرجاء وطننا أميركا، وخاصة في المجتمعات الملوّنة. وخلافاً للنداءات السابقة الداعية لإطلاق نقاشات عامة حول المسألة (بما فيها ذلك الذي أطلقته إدارة الرئيس الأسبق كلينتون) والتي لم تثمر إلا القليل من النتائج المرجوّة، فإن الحوار الجديد يمكن أن ينطوي على أهداف ممكنة التحقيق، وأن يكون محكوماً بسياسة واضحة يمكنها تنفيذ أجندة محددة لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود على المستويات المحلية والولائية والوطنية. وسيتولى إدارة الحوار ناشطون وقادة منظمات الحقوق المدنية وخبراء وضع السياسات وقادة المجتمعات العرقية من أجل الاتفاق على ابتداع حلول سياسية عامة تتعلق بقضايا التمييز العنصري في تطبيق العدالة والتشغيل ودخول المدارس الحكومية والإسكان والرعاية الصحية وكافة المظاهر الحياتية الأخرى في أميركا. وقبل خمسين عاماً مضت، كانت الحركات المطالبة بالحقوق المدنية تدعو إلى إطلاق حوار شامل حول العرق والديمقراطية، وهو الحوار الذي تمكن من استقطاب مواطنين ينتمون لكافة الأعراق وترك أبلغ الأثر في كل قطاعات الحياة الأميركية، وشارك فيه رجال دين ونشطاء منظمات العمل وأمهات وسجناء وسياسيون، وترافق مع تنظيم مسيرات شعبية جابت الشوارع بعد الحصول على موافقة قانونية. وتكشفت تلك التظاهرات عن إحداث تحول جذري في السياسة العامة عندما صدر «قانون الحقوق المدنية لعام 1964» والذي تكلل بصدور «قانون حقوق الانتخاب لعام 1965». ونحن نقترب الآن من الذكرى الخمسين لهذه المسيرة الكبرى التي شهدتها واشنطن، والتي ستمثل الفرصة السانحة لإعادة تقييم مدى قوة الاستجابة الوطنية لفكرة التجديد الديمقراطي ولتقدير الشوط الذي قطعناه في هذا المجال. ولكن، وحتى نكمل هذا الحوار، بادر مركز دراسات العرق والديمقراطية بجامعة تافتس Tufts University إلى تنظيم حوار وطني تحت شعار «يوم العرق» من المنتظر أن يلتئم يوم 12 سبتمبر المقبل. ونحن ندعو كل المعنيين للمشاركة. وسيتمحور برنامج الحوار على القضايا الرئيسية التالية: 1- خمسون عاماً على مسيرة واشنطن، ما مستوى التقدم الذي حققناه كأمة في تحقيق أحلام مارتن لوثر كينج في التعددية الثقافية وديمقراطية التعددية العرقية؟ 2- ترايفون مارتن واحتشاد السجون وأزمة الطريق من المدرسة إلى السجن. 3- العرق والديمقراطية في القرن الحادي والعشرين: ماذا يعني التكامل العنصري؟ ماذا تعني العدالة والمساواة في أميركا المعاصرة؟ وكيف يمكننا أن ننظم هذا الحوار على المستوى المحلي والوطني والدولي؟. وكان للناشطة «إيللا بيكير» التي يعود إليها فضل تأسيس «هيئة التنسيق لوقف العنف ضد تلاميذ المدارس»، أن تدلي بآرائها المتميزة حول هذا الحوار عندما قالت: «إن الشعب القوي لا يحتاج إلى قادة أقوياء». ولا يمكن للمجتمع الأميركي ذي الأصل الأفريقي، ولا للشعب الأميركي بأكمله، أن ينتظر السياسيين لقيادة نقاش حول عدم المساواة وعنصرية الجهاز القضائي. على أن انتشار العنف المديني والفقر واكتظاظ السجون يجعل من هذا الحوار ضرورة ماسة الآن أكثر من أي وقت مضى. وقد أصبح الحوار الذي يمكن تعميمه بين كافة شرائح المجتمع الأميركي ضرورياً من أجل دفع عملية التحول التي تحتاجها مؤسساتنا الديمقراطية. وهذا هو الوقت المناسب لإعادة تقييم الطاقات الكامنة في مسيرة واشنطن من أجل إعادة إحياء هدف تحقيق العدالة العرقية. وفي نفس الصيف الذي شهد المسيرة، ظهر الرئيس جون كنيدي على شاشة التلفزيون في خطابه للأمة ووصف العنصرية المؤسساتية بأنها «قضية أخلاقية» تنبثق من رحم المؤسسات السياسية ذاتها. وبعد ذلك بشهرين، أعلن «كينج» خلال خطابه الشهير الذي حمل عنوان «عندي حلم»، أن الأميركيين ذوي الأصل الأفريقي توافدوا إلى عاصمة الأمة ليقبضوا شيكاً موسوماً بعبارة «الرصيد لا يكفي». ورفض «كينج» في سياق خطابه التصديق بأن «البنك الأميركي للديمقراطية أعلن عن إفلاسه». وعلى رغم وجود قرائن تشير إلى عكس ما يراه «كينج»، فإن الكثير من الأميركيين من ذوي الخلفيات المتنوعة واصلوا تمسكهم بحلمه بإحلال المساواة العنصرية والعدالة الاقتصادية. ويأتي اعتراف أوباما بأن الأميركيين لا يعيشون في «أمة وليدة العنصرية» ليقطع شوطاً بعيداً في مجال محاربة عنصرية «عمى الألوان» التي تعلن في ظاهرها عن المساواة العرقية، فيما تتجاهل في الواقع مظاهر الفصل المبنية على أساس العرق التي تفشّت في كافة الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولهذا السبب يمكن القطع بأن السياسيين لا يصلحون لقيادة هذا الحوار الوطني. ولاشك أننا قادرون على أن نكون المهندسين الحقيقيين لديمقراطيتنا التي سنعيش جميعاً في ظلها. وهذا مشروط بقدرتنا الذاتية على تحدي العنصرية علناً وتثقيف مواطنينا بأن مجرّد النقاش حول العنصرية لا يجعل المرء عنصرياً. وأميركا، هي في طريقها الآن للتحول إلى «أمة أكثرية- أقلية» إلا أننا ما زلنا نحذر كثيراً التفكير والكلام حول مسألة العرق أو العنصر فيما بيننا. وسيتضمن الحوار الوطني في «يوم العرق» غوصاً عميقاً في كافة المواضيع ذات العلاقة بالمشهد الإثني والعنصري المتنوع الذي تتشكل منه أميركا القرن الحادي والعشرين. بينييل جوزيف أستاذ التاريخ في جامعة «Tufts» ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»