الآن وبعد أن وصل إلى السلطة في إيران رئيس محسوب على الإصلاحيين، توجد أمام المجتمع الدولي ثلاثة خيارات للتعامل مع النظام الإيراني حيال مواقفه من مجموعة القضايا الشائكة التي تهم منطقة الخليج العربي. تلك الخيارات هي: أولاً، الانتظار على أمل أن تعيد إيران حساباتها تجاه القضايا المطروحة وأهمها برنامجها النووي، وتطلعاتها التوسعية تجاه الجيران وتداخلها في شؤونهم الداخلية. ثانياً، أن تتم محاصرتها ضمن دائرة مقفلة ترسم لها عن طريق إجبارها على تنفيذ متطلبات القرارات الدولية الملزمة التي تصدر بحقها. ثالثاً، أن يتم رسم سياسة دولية جماعية تهدف إلى إصلاح الأوضاع من الداخل. إن ما تمت ممارسته من قبل إيران تجاه المجتمع الدولي أجبر الأخير على اتباع سياسة العقوبات الاقتصادية الصارمة، لكن موقف دول الخليج العربي ودول الجوار الجغرافي الإيراني الأخرى -ربما باستثناء إسرائيل وتركيا- ليست في موقف القوة العسكرية الكافية لمواجهة إيران دون وجود دعم عسكري خارجي مباشر، في نفس الوقت الذي توجد فيه شكوك حول الأهداف الغربية بعيدة المدى تجاه إيران، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأميركية. وهذا يقود إلى الإشارة إلى أن دول مجلس التعاون التي تعتمد على المظلة الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة في المنطقة، ستقوم في نهاية المطاف بالحكم على التزام الولايات المتحدة بأمنها إما عن طريق ردع النظام الإيراني عملياً، أو بالعمل على تغييره من الداخل إلى الحد الذي لا يمكنه معه بعد ذلك من تشكيل أي خطر حقيقي. وتتلخص استراتيجية إيران في المرحلة الحالية في ثلاثة أهداف محددة، وذلك انطلاقاً من اعتمادها على أن برنامجها النووي سلمي خالص يهدف إلى الاستفادة من التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وأنه لا يهدف إلى التوسع في أراضي دول المجلس، ولا يهدف إلى تصدير الثورة إليهم: فأولاً، هي تهدف إلى تحويل انتباه المجتمع الدولي عن برنامجها النووي باتجاه ما يعانيه الشعب الإيراني من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران. ثانياً، التركيز على الانشقاق الحاصل في صفوف أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة الدائمين فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية، فالصين وروسيا لهما آراء مخالفة لما تريده الولايات المتحدة الأميركية. ثالثاً، وأخيراً هو يهدف إلى تحويل النقاش والجدل حول البرنامج النووي وتصويره بأنه نقاش حول تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على معيشة وحياة الإنسان الإيراني البسيط وما يعانيه في هذا الجانب من مآسٍ على صعيد الغذاء والدواء والجوانب الإنسانية الأخرى. ومع وجود المفاوض الإيراني السابق حول الملف النووي حسن روحاني في رئاسة الجمهورية فإن الدبلوماسية الإيرانية ستكون قادرة على تحقيق النجاح في أكثر من جانب، وإن كان نجاحاً ربما يكون بطيئاً. فما نتوقعه هو أن لا تتواجد جهود سريعة وجادة من قبل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ككل أو حتى المجتمع الدولي خارج نطاق أجهزة الأمم المتحدة، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، لتسريع عمليات إيقاف البرنامج النووي الإيراني في صلب تكوينه. إن كل ما سيدور سيكون حول تأثير العقوبات على إيران وإمكانية التخفيف منها في بعض الجوانب. والدليل على ذلك ما سمعناه مؤخراً حول السماح بإيصال بعض الجوانب التكنولوجية الخاصة بأجهزة الكمبيوتر والاتصالات إلى «الشعب الإيراني». والواقع هو أن مجموعة من دول العالم على رأسها روسيا والصين تعلن صراحة عن عدم موافقتها الكاملة على سياسات المقاطعة تجاه إيران. بل إن دولاً أوروبية حليفة للولايات المتحدة تسير على نفس النهج ضمن إطار سياستها الخاصة بوجود مواقف أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة.