أدت انتفاضة ملايين المصريين منذ الثلاثين من يونيو إلى استقطاب حاد؛ حيث يعتبر البعض عزل الدكتور محمد مرسي "انقلاباً" من قبل الجيش على رئيس منتخَب، في حين يتعامل معه آخرون باعتباره الثورة الثانية، أو استمراراً لثورة 25 يناير 2011. وفي الأثناء، تنشغل وسائل الإعلام في الغرب بالخصوص بتعريف الانقلاب، وما إن كان ينبغي معاقبة الجيش عبر قطع المساعدات الأميركية عن مصر. غير أن الصورة ليس بتلك البساطة، والوضع الحالي أكبر من تعريف الانقلاب؛ إنه معالجة بلد يزخر بالكثير من الإمكانيات ويتمتع بموقع استراتيجي في الشرق الأوسط المضطرب أصلاً. والسؤال الحقيقي هو: ما الذي يمكن فعله من أجل مصر في تحولها الديمقراطي، في وقت يوجد فيه المصريون حالة استقطاب شديد؟ الواقع أن مخطط العمل الفوري المقترح هنا يمكن أن يغيِّر الوضع الحالي ويجعل البلاد تسير إلى الأمام. عندما نشأتُ وترعرعت في مصر، لم يسبق لي أن رأيت البلد ممزقا مثلما هو اليوم. فاليوم، لدينا مجموعتان سياسيتان رئيسيتان: الأحزاب الإسلامية، والأحزاب السياسية أو الليبرالية أو المدنية. والجديد أيضاً هو الحركة الشبابية – الأكثر قوة من الأحزاب الليبرالية الموجودة -التي تستعمل أحدث الوسائل في تكنولوجيا الإعلام لقيادة هذه المليونيات لأنهم يريدون أن يعيشوا في مصر مزدهرة ومتطورة. فمن جهة، يعتقد الليبراليون في البلاد أن "الإخوان المسلمين" فشلوا في العملية الديمقراطية لأن مرسي، ورغم فوزه في التصويت الشعبي، لم ينجح في توحيد البلاد وفي أن يكون رئيسا لكل المصريين. ذلك أن تعيينه لأعضاء "الإخوان المسلمين" في مناصب قيادية في البلاد (ما يسمى بـ"أخونة مصر")، ومراسيمه الدستورية غير المتوقعة، وتشديده على الإبقاء على حكومة ينظر إليها الكثيرون باعتبارها مفتقرة للكفاءة – كلها مواضيع دفعت "حركة تمرد" الشبابية إلى جمع أكثر من 20 مليون توقيع تدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة من أجل إزالة مرسي. ومن جهة أخرى، يعتقد أنصار الرئيس المعزول أنه أتى إلى السلطة بشكل ديمقراطي. وعلى هذا الأساس، فإنه لا يمكن تنحيته من منصبه إلا بعد أن يكمل ولايته. ويرون أن هذا المسار فقط، هو الذي سيحمي الدستور الذي مُرر من خلال استفتاء وطني بأغلبية الثلثين. أما الجيش المصري، فقد كان أمامه أحد خيارين: إما الدفاع عن مطالبة مرسي بالسلطة، وبالتالي ترك الملايين على الشوارع والبلاد ككل تغرق اقتصاديا، وتعرض الأمن القومي للتهديد بسبب الفوضى؛ أو التدخل ووضع البلاد على مسار جديد من دون التدخل في الحكم بشكل مباشر. وحتى الآن، اختار الجيش الخيار الأخير. فخلافا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم في ثورة الـ25 يناير، مازل الفريق أول عبد الفتاح السيسي من دون لقب سياسي؛ في وقت تم فيه تنصيب رئيس المحكمة الدستورية رئيساً جديداً للبلاد. والأمل هو أنه في غضون عام، ستُستكمل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في وقت يتولى فيه الجيش حماية العملية فقط. غير أن السؤال المركزي هو كيف يمكن حل معضلة الانقسام هذه. وهنا، أقترحُ مخططا من ثلاث نقاط: أولاً، وبشكل فوري، ينبغي تشكيل مجلس لدراسة آخر دستور والمواد موضوع الخلاف. وفي غضون ثلاثة أشهر، ينبغي تعديل الدستور واعتماده من قبل الشعب في استفتاء حتى يتسنى للبلاد التوحد بشأن مبادئ ملزمة مقبلة بخصوص المجتمع والعمليات الانتخابية التي تعقب ذلك. ثانيا، ينبغي أن تسبق الانتخابات البرلمانية الانتخابات الرئاسية. وفي غضون ثلاثة أشهر، مرة أخرى، سيعرف المصريون الهوية والألوان السياسية لبرلمانهم؛ ومن هذه الانتخابات الجديدة ستنبثق أحزاب الأغلبية والأقلية، التي تشمل الأحزاب المدنية والإسلامية. ثالثاً، لإنهاء الاستقطاب والعنف الحاليين، ينبغي تشكيل مجلس رئاسي أعلى، ومجلس أمناء، مؤلف من ثلاث مجموعات: ثلث تمثله الأحزاب المدنية، وثلث تمثله الأحزاب الإسلامية، وثلث تمثله شخصيات مشهود لها بالحكمة والحصافة تتمتع بالاستقلالية وغير مرتبطة سياسيا بأي حزب. وقد يكفي خمسة أشخاص إلى 10 كحد أقصى من كل مجموعة؛ حيث ستملك هذه الهيئة السلطة لمناقشة التعديلات الدستورية المقترَحة القادمة والعملية الانتخابية المقترحة بعمق، والتصويت عليها. وبذلك، تصبح جزءاً من صياغة المستقبل؛ وتكون قد شُملت في العملية السياسية على أعلى المستويات من البداية. صحيح أن الخلافات قد تحدث، ولكن التصويت بين الأعضاء سيكون ملزِماً للجميع في النهاية. كما أنه من المهم ألا تكرر القيادةُ أخطاء الماضي خلال هذه الفترة الانتقالية، حيث يجب أن تتعامل مع الإسلاميين من دون إقصاء؛ ويجب معاملة مرسي وفقا للقانون. وأخيرا، يجب على وسائل الإعلام أن ترقى إلى مستوى الحدث وتكف عن "الاستقطاب المضاد" وتعمل على الدفع في اتجاه التلاقي، بدلا من الاختلاف. إن الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية تمثل قوة في المجتمع المصري. ولن تستطيع أي حكومة مدنية ليبرالية أن تنجح، حتى بعد انتخابات جديدة، إذا أُرغم الإسلاميون على العمل تحت الأرض كعدو وبقيت البلاد منقسمة. والواقع أن هذا واضح حتى بعد حدث الثلاثين من يونيو – حيث عادت الكلمة الأخيرة لحزب النور السلفي بخصوص من يصبح رئيسا للوزراء خلال الفترة الانتقالية. إن اختزال مشكلة مصر في انقلاب فقط من دون فهم المواضيع المركزية للانقسام والعنف في مصر اليوم أمر تبسيطي جداً وخطير جداً. ولذلك، ينبغي بذل كل الجهود للمساعدة على بناء دولة ديمقراطية جديدة تسعى للمصالحة والعفو، من أجل مصر وليس لمصلحة حزب أو جماعة. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»