ِبَم نفسر عملية تفخيخ جسد طفل لم يبلغ الحُلُمَ من قبل جماعات متطرفة وغرس مفهوم "طيور الجنة" في عقله وهو مرفوع عنه قلم التكليف؟ فما الحكمة في استهدافه «للشهادة» في سبيل الله بقتل عشوائي للأبرياء؟ ترى كيف يتم أدلجة عقول الأطفال للقيام بأعمال إجرامية وانتحارية، "استشهادية" في نظر أصحاب العقول المتطرفة، يعجز الرجال والأبطال والشجعان عن مجرد التفكير في ذلك فضلاً عن تصور أن أحدهم يعتبر نفسه لغماً متحركاً ينتظر ساعة الصفر المدمرة له ولغيره دون التوقف للحظة أو التدبر في التراجع عن هذا الفعل الإجرامي الشنيع باسم "صكوك غفران" دينية ابتدعتها هذه الجماعات المتطرفة باسم "الاستشهاد"، وغيرها من المسميات التي تدغدغ عقول المبرمجين والمسيرين عن طريق "ريموت كنترول" المتطرفين بكل أصنافهم الفكرية، ذكرنا أبشع صور التفخيخ، لكي تصل إلى ما هو أخطر من الأول بكثير. فتفخيخ العقول أشد ضرراً من الأجساد المفخخة لتنفيذ عمليات انتقامية من المجتمع وأفراده باسم الدين. ونأتي إلى تفكيك التفخيخ في صور مجتمعية صادمة، عندما يكون المؤدلج على أتم الاستعداد للتضحية بأي شيء من أجل فكره، فساعتها لا يملك عقله مجالاً لاتخاذ أي قرار إرضاء لذلك الفكر، وإنْ كان مخالفاً للشرع والقانون والعرف، أو رابط إنساني يمنع وقوع المشكلات بسبب الأفكار الضالة، فعندما يقرر الرجل التخلي عن زوجته وأولاده من أجل فكر "مرسي"، فهو في قاع الانحدار، ومن يقوم بالثناء على هذه الخطوة مشارك عُمِّيت عليه سبل الصواب. عندما يقوم مؤدلج آخر بالإساءة إلى والديه اللذين طالبه الإسلام ببرهما وإن كانا كافرين، فكيف وهما مسلمين حقاً، فقط لأنهما لا يسايران ولدهما فيما يقتات من فكر تحول إلى معول هدم وقطع لأقرب الأرحام. وعندما يتحول التكفير وليس التفكير، والتفسيق، وليس التوفيق إلى أسلحة "شرعية" بيد المؤدلج، فإن قرون الاستشعار عن بعد للمجتمع يجب أن تزداد انتباهاً ويقظة وحذراً من الدرجة البرتقالية. كما هي في حال مقدمات ما قبل الحروب، فحالة الاستنفار القصوى هي التي تضع الأمور في نصابها، وإلا سمحنا إذا تهاونا، للمؤدلجين بإدارة دفة الأمور بأسلحتهم الفتاكة للعقول قبل تناثر الأجساد وفي الحواري والطرقات. والأشد خطورة من كل ذلك أن يصبح الفكر المؤدلج عقيدة للمؤمن به يدافع عنه بقطع أوصال الأوطان والأرحام وكل ما يمت إلى الإنسانية بصلة، من صور المؤدلج إنه قد يكون في المسجد حمامة، وفي الخارج طيرا جارحا، من خلال مخالبه الفكرية يجرح هذا ويؤذي ذاك المخالف عنه في التفكير أو التعبير عن التفكير. فالمجتمع بالنسبة له جاهلي، وهو فيه الإسلامي الوحيد الذي اكتشف جاهلية المجتمع الذي كل مصالحه تقضي فيه، ولكنه كاره له وباغض له "لله"، لأنه يمضي حياته وفق نظرية "الحب في الله والبغض في الله"، ويعتبر هذا من بضاعته الخاصة التي يروج لها لكسر شوكة المخالف لنهجه وتفكيره. ولا أشد من ذلك عندما يصل المؤدلج إلى قناعة بعد سنوات من عمليات غسل الدماغ فكرياً وعقدياً بأنه هو الإسلام وممثله وأما غيره فتنطبق عليه كل الأوصاف من علماني وليبرالي ويساري، ولا ديني، ولا منتمي...إلخ، إلا أن يكون له صلة بالإسلام طبعاً وفق فهم المؤدلج حتى النخاع. وإذا أراد المؤدلج أن يكسر طوق الأدلجة عن عنقه بعد طول البقاء في هذا الوضع، فهو أمام حالتين لا ثالث لهما، إما أن يهدم المعبد على رؤوس المؤدلجين، أو أن ينزوي عنهم ويتحمل لظى سهامهم التي لا ترحم حتى من كان في يوم ما مؤدلجاً مثلهم.