هناك قضيتان غائبتان عن النقاش العام حول «الإخوان» وما يفعلونه في الوقت الراهن، وإن تطرق إليهما البعض فيكون وروده إياهما على استحياء وبشكل عابر، ألا وهما قضية «صناعة المظلومية» وقضية «الفصام الإخواني حيال الحقوق والواجبات». وبالنسبة للقضية الأولى، فما يفعله «الإخوان» الآن لا يزيد على خلق «مظلومية جديدة» يسوقونها هذه المرة إلى العالم بأسره، بعد أن سوقوها في مصر عقوداً من الزمن، واستعطفوا بها الناس، فصمتوا عن سرقتهم لثورة يناير العظيمة، وصوتوا لهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وأعطوهم السلطان كاملاً. يدرك قادة «الإخوان» المعتصمون في تقاطع رابعة بمدينة نصر أو أمام جامعة القاهرة أن عودة محمد مرسي إلى الحكم مستحيلة، لاسيما بعد أن خرج عشرات الملايين من المصريين يوم 26 يوليو ليفوضوا الجيش في التصدي لكل من يرتكب فعلًا إرهابياً، ولكنهم يحشدون أنصارهم، ويلحون على تواجدهم الدائم، ليصنعوا بهم المظلومية، التي تنطوي على «بكاء على أطلال السلطة» و«استعادة الشعور بالاضطهاد» وممارسة «المازوخية السياسية» في حدها الأقصى، والحديث عن «مؤامرة» عليهم، مع أن أول من تآمر على مرسي هو مكتب إرشاد الجماعة، الذي قيده وسيره كيفما شاء وأبعده عن أن يكون رئيساً لكل المصريين لتسبقيه مجرد «الأخ مرسي مسؤول شبعة الرئاسة». ومع أن «الإخوان» نسجوا خيوط المؤامرة على الكل منذ تنحي مبارك، وتصوروا أنهم سيخدعون الجميع إلى النهاية، ويحصلون على كل شيء، وكانوا أداة لمؤامرة أميركية كاملة على بلادنا وبلاد العرب أجمعين. وهذه المرة لا يخاطب «الإخوان» الداخل فقط بل يصدرون المظلومية إلى الخارج لينقذوا تنظيمهم الدولي حتى لو جرى الدم أنهاراً. وهذا هو بيت القصيد من كل ما يفعلونه الآن ويستخدمون فيه كل الوسائل حتى لو تحالفوا مع الشيطان. وبالنسبة للقضية الثانية أقول بوضوح إنني قبل ثورة يناير 2011، كنت من المدافعين بوضوح عن السماح لـ «الإخوان» بتشكيل «حزب سياسي» ومن الرافضين لتحويل المدنيين منهم إلى «محاكم عسكرية» والمتعاملين معهم كمواطنين لهم كافة حقوق المواطنة، من دون تهميش ولا تمييز ولا نبذ، وكان من أهدافي هنا أن يكون لـ«الإخوان» كيان تحت سمع الدولة وبصرها بدلاً من تنظيمهم السري الذي كان دولة داخل الدولة تتقاسم المنافع مع نظام مبارك في السر، وتناطحه في العلن. وكثير من منظمات حقوق الإنسان كانت تدافع عن وجهة النظر تلك بوضوح ومن دون مواربة كجزء من مهمتها. ونظراً لأن «الإخوان» كانوا في المعارضة لم يقف أحد ليسأل نفسه: هذه حقوقهم فأين واجباتهم؟ وبعد الثورة وحيازتهم لحزب سياسي وأغلبية في البرلمان وفوز أحدهم بمنصب رئيس الجمهورية أخذوا كل الحقوق، ولكن أحداً أيضاً لم يسألهم عن الواجبات؟ وبعد أن أزيحوا عن السلطة بفعل انتفاضة شعبية عارمة انحاز لها الجيش، راحوا يطلبون الحقوق، حق التظاهر، وحق الحصول على التقاضي العادل، وحق التعبير عن الرأي، وحرمة الدم.. الخ. وبالقطع فكثيرون معهم في كل هذه الحقوق، ولكن آن الأوان لأن يسألهم الجميع عن واجباتهم حيال الدولة التي يعيشون فيها: فهل هم يؤمنون بها؟ هل مصر بالنسبة لهم وطن أم مجرد سكن؟ دولة مقر أم دولة ممر؟ وأين موقعها في مشروعهم الوهمي حول «أستاذية العالم»؟ هل يأخذون من أموالها ويضعون في أموال تنظيمهم الدولي، أم يفعلون كغيرهم من المصريين الساعين وراء الرزق في مشارق الأرض ومغاربها ويحولون أموالهم إلى مصر؟ وهل ولاؤهم الأول لبلدهم أم «طز في مصر»؟ وكيف يرون المصريين: هل هم شعب يعيش في جاهلية كما يقول سيد قطب الذي يؤمنون بأفكاره وبالتالي يكون الإخواني من بنجلاديش أقرب إلى الإخواني المصري من جاره الذي يشاركه في جدار البيت؟ وهل يكون من الواجب حيال الوطن أن يطلب «الإخوان» من الغرب أن يوجه ضربة عسكرية للجيش المصري؟ وهل من الأخلاق والواجب أيضاً أن يهللوا فرحاً لأن أحد قادتهم المتطرفين صرخ من على منصة «رابعة العدوية» قائلًا: إن البارجات الحربية الأميركية في البحر المتوسط تحركت حيال قناة السويس؟ وهل من الواجب أن يرسل «الإخوان» رسائل على بعض الهواتف المحمولة للجنود الذين حصلوا على أرقامهم يحرضونهم على التمرد ضد الجيش وعدم تنفيذ أوامر قادتهم لأنهم «كفار»؟ وهل من المقبول أن يجتمع أعضاء في «التنظيم الدولي للإخوان» وفيهم أعضاء من دول عديدة ليدرسوا الحال في مصر ويضعوا خطة بشأنه بما فيها إطلاق أعمال عنف واستهداف مؤسسات ومن بينها مؤسسات الجيش؟ وهل لا يزال «الإخوان» يؤمنون بأن الوطنية وثنية ولا يلزمون أنفسهم حيالها بأي مسؤوليات أو التزامات أو واجبات؟ أعرف أن وظيفة «منظمات حقوق الإنسان» هي أن تدافع عن الحقوق، وهذا مهم وضروري وأنا معه، ولكن عليها أن تضع في اعتبارها وهي تفكر وتعبر وتدبر شأنها حيال «المسألة الإخوانية» أن «الإخوان» عليهم واجبات حيال الوطن، وأن تطلب منهم أن يؤدوها وهم يطلبون حقوقهم كاملة، وأن تكتب هذه المنظمات في تقاريرها الصورة كاملة، فكما أن لكل مصري حقوقاً مصونة في هذا البلد، فعليه واجبات مفروضة، وهذا أمر لا جدال فيه. وفي الختام يريد «الإخوان» بصناعة المظلومية أن يرتبوا حقوقاً لهم، يقرها الداخل والخارج، ولكن لا أحد يسألهم عن واجباتهم حيال مصر، كدولة مستقلة ووطن، وهذا ما يجب أن يلح الجميع عليه من الآن فصاعداً فيقولون لهم بملء الأفواه: أيها «الإخوان» أين واجباتكم حيال بلدكم؟