لا نحتاج إلى أن تحدث مشكلة إنسانية أو مصيبة لأحد حتى نتحرك في معالجة ظاهرة ما ــ بدأت تنتشر كثيراً وتتوسع بشكل سريع- باعتبار أن هناك منطقاً يُطلق عليه «الوقاية خير من العلاج»، بمعنى آخر، فإنه باستطاعتنا تقليل حجم مخاطرها باستخدام إحدى مراحل «فن إدارة الأزمات»، وهي مرحلة «إدارة الأزمة» قبل حدوثها. هذه المقولات أستذكرها كلما قرأت خبراً في مكان ما في العالم حول تعرض إنسان أو طفل لهجوم من حيوان يُفترض أنه بات مستأنساً، مثل الكلب أو غيره، بعدما تطورت رغبات الناس في امتلاك الحيوانات الخطرة. آخر تلك القصص قصة تمزيق أسد لامرأة في جنوب أفريقيا قبل شهر وآخرها أيضاً قصة هروب نمر في المدينة المنورة الأسبوع الماضي. يُعتبر الكلب الحيوان الأكثر شهرة في عالم الاستئناس والتعايش مع الإنسان، ولكن اليوم دخلت القرود والنمور والزواحف، مع أننا نعرف أنها في أحيان كثيرة تعود لطبيعتها الأصلية المتوحشة. لدينا الكثير من القصص خارج دولة الإمارات في مجال الهجوم على الإنسان، وهي قصص مؤلمة. قرأت خبر نهش كلب لطفل في لندن مع أنه مدجن ومدلل أكثر من اللازم، ونحن نرى كيف يتم التعامل مع هذا الحيوان أحياناً على نحو مبالغ فيه. أحياناً هناك دورات تدريبية للكلاب حول التعامل مع الإنسان، بل إن الزيارات الدورية لمتابعة حالة الكلب الصحية والنفسية حقيقة واقعية، وليست وهماً في بريطانيا على الأقل. مع ذلك نعرف قصصاً عن هجوم حيوانات على أصحابها بمجرد أن عادت إلى طبيعتها الأصلية. الدول التي تسبقنا في عالم استئناس الحيوانات المفترسة مستمرة في التحذيرات وفي إيجاد وتطوير أطر قانونية لحماية الناس والجمهور منها. مسألة امتلاك الحيوان حرية شخصية لكل إنسان، وهي اليوم ليست مقتصرة على المجتمعات الغربية فقط، بل هي منتشرة في المجتمعات العربية بطريقة كبيرة، وإن كانت الصورة الذهنية لذلك مرتبطة بالغرب فقط، بل إنها اليوم منتشرة في الإمارات، ونستطيع أن نراها في المجتمع بشكل طبيعي وعادي، ويمتلكها مواطنون إماراتيون يكونون أحياناً في عمر المراهقة. الأمر لم يعد غريباً، بل يمكنك مشاهدتها في الشعبيات والمناطق الخاصة بالمواطنين، وفي العاصمة أبوظبي. وتطور الوضع إلى أن يُنشئ بعض المواطنين في بيوتهم حدائق حيوانات صغيرة فيها أكثر من حيوان، بعضها من العائلة المفترسة. باستطاعتك زيارة كورنيش أبوظبي لتشاهد الأنواع المختلفة من فصائل الكلاب وأحجامها. وهي قبل أن تكون غريبة على بعضنا، مخيفة حتى للكبار بحكم عدم التعود، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى أن نمتلك حيوانات أخرى أشد شراسة مثل الأسود والنمور التي قد يأتي بها البعض وهي صغيرة، وبالتالي يكون حجم مخاطرها بسيطاً، لكن بعد مرور سنوات تكبر وتكون خطيرة للغاية، لاسيما الأفاعي والحيوانات الأخرى من الزواحف والتماسيح وغيرها. أستبعد نسيان الناس قصة هروب النمر في شهر رمضان الماضي، في منطقة اليحر بمدينة العين، والتي تطلبت تدخل شرطة العين ومنتزه الحياة البرية للقبض عليه، وأستبعد أيضاً نسيان قصة الأفعى الضخمة التي هربت من فتحة مكيف في إمارة الشارقة من شخص يعتبر مربياً للأفاعي، وكذلك قصة النمر في منطقة الزعفرانة في أبوظبي. أما الجديد، فقد قرأنا عن هروب أسد من صاحبه في السعودية وبعد ساعتين تم اكتشاف الأمر، وبالتالي تم استدراكه. هذا كله يدفعني للدعوة إلى إيجاد قانون يضبط مسألة امتلاك هذه الحيوانات، وأن تكون قواعد امتلاكها معلنة في الأماكن العامة. وأدعو كذلك إلى التشدد في مسألة اقتياد الحيوان، وتطبيق غرامة مالية وعقوبة على من لا يهتم بمراعاة قواعدها، أسوة بما يتم في بريطانيا باعتبارها سبقتنا إلى ذلك. ويُعتبر القانون البريطاني الأكثر تشدداً مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية. لا أعرف جهة الاختصاص في سن مثل هذه القوانين في الدول العربية، ربما لكونها عادة «دخيلة»، لكنها باتت معتادة. ولا أقصد هنا ذلك الترخيص الأولي لإدخالها للدولة من منافذ الحدود والحجر الصحي، لكن ما أقصده هو وجود جهة تتابع كيفية الاهتمام بهذا الحيوان ومراقبته، فهذا الأمر يندرج ضمن إدارة الأزمة قبل وقوعها. قد يكون تجاهلنا وضع قانون خاص لامتلاك الحيوانات المفترسة راجعاً للعادات والتقاليد، كما أن بعضها يحرِّمه ديننا، وبالتالي لا مجال لنقاشها، لكن بما أننا نؤمن بحرية الشخص في اقتناء ما يعتقده مناسباً له، وكذلك من منطلق أن دولنا ــ خاصة الإمارات ــ لم تعد منغلقة على الثقافات الأخرى، فإن التفكير في إيجاد هذه الضوابط بات ملحاً، وأبسطها أن على صاحب الحيوان أن يقوده بحبل عندما يكون في مكان عام، وألا يتركه طليقاً حتى لا يخيف الناس، والنقطة الثانية أن ينظف المكان الذي يوسخه. إن بعض الناس لم يعتادوا التعامل مع هذه الحيوانات، بل إنها قد تسبب لهم في حدوث صدمات ومشكلات نفسية كبيرة كردة فعل لموقف معين، مثل النباح، كما أن العادة التي تستهوي بعض مالكي الكلاب، وهي أن يروا الناس خائفين، قد تكون لها انعكاسات نفسية ضارة، وهي كلها مبررات تجعلنا نهتم بهذه الناحية ونأخذها على محمل الجد، فالتأثر الثقافي بات سريعاً، ورغبات الناس تعددت، ولم تعد مقتصرة على نوع معين من الحيوانات. ظاهرة اقتناء الحيوانات أصبحت منتشرة في الإمارات، وساهم في هذا الانتشار أن نسمع قصص هروب بعضها، الأمر الذي قد يشكل خطراً في لحظة غفلة. وفي زمن مضى كنا نعتبر أن الأجانب هم الذين يقتنونها، وكنا نتساءل كيف لهم أن يتعايشوا معها، ربما لأسباب دينية أو أخلاقية. لذا، أعتقد أن فكرة تنظيم عملية اقتناء الحيوانات فكرة حضارية، وباتت ضرورة يفرضها الواقع حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه. أوافق من يختلف معي أنه لم يحدث ما يمكن أن نعتقده مكروهاً، وبالتالي لا داعي لتضخيم الأشياء، وبما أنني أعتقد أن ذلك من لطف رب العالمين بنا، فإنني أتكلم هنا عن «فقه» إدارة الأزمات، وهو علم كبير يمنع حدوث الكارثة!