«قلاع من الرمال»، كتاب نشر عام 1994 للصحفي «ميلتون فيورست»، وهو يدور حول أزمة العرب في العالم المعاصر. العنوان بذاته يحمل مضامين تسبق قراءتنا للكتاب، وهو يبين هشاشة الدولة والمجتمع العربيين. فالدول العربية، رغم تطور بعضها عمرانياً، تعاني من أزمات خانقة، يردها المؤلف إلى طبيعة الثقافة السائدة التي يسميها ثقافة الدفاع ويصفها بأنها ثقافة نواح وضجيج تميل للنبش في الماضي بحثاً عن علاج لقضايا عصرية. والكاتب يطرح قضية محورية تجسد أزمة حقيقية تعانيها المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة. في مصر لدينا معاناة كبيرة نتيجة لقفز جماعة «الإخوان المسلمين» على السلطة، بعد أن قدمت وعوداً بخلاص المواطن من هموم جسام تضيق بها الصدور، لكن مع الجماعة تتعمق الأزمات وتطير الوعود والآمال. وفي العراق تأتي الديمقراطية بعد حكم استبدادي وتتحول إلى وسيلة لتعميق المشاكل والأزمات نتيجة عدم القدرة على التعامل مع الديمقراطية كوسيلة لحل الصراعات الداخلية. فالعراق منقسم ومجزأ وفق نظام طائفي وعشائري يصعب الخلاص منه. وفي ليبيا ينتهي حكم القذافي وينتهي المشهد إلى مزيد من التقسيم السياسي والاجتماعي. أما الكويت فما أن تبادر للخروج من أزمة حتى تدخل أخرى وتعاد الانتخابات البرلمانية في فترات قياسية على أمل حل الأزمة المستحكمة، حيث تعلّمنا التجارب أن الوعود تتطاير أمام أعيننا حتى نصل إلى مرحلة نفقد فيها الأمل في الاقتراب من باب الفرج. لدينا نماذج كثيرة في العالم العربي تقترب من كتاب «قلاع من الرمال». ورغم كثرة ما كتب حول طبيعة الأزمة العربية، فإن المنطقة لم تخرج من أزماتها، والعلة الكبيرة أننا نفتقد لحس التعلّم من تجارب التاريخ، لأننا نشعر بقطيعة مع الزمن وفي الوقت نفسه نجيد نقد الآخر دون التفكير في طبيعة وضعنا المتردي، ونعتقد أننا الأمة التي تحمل كل الحلول لمشاكل العالم ونعجز عن حل أصغر قضايانا. الإشكالية الكبيرة تتجسد في غياب الحس بطبيعة المشكلة وبدرجة تعقيدها، إذ غالباً ما تعاملنا مع أزماتنا كما لو أن الزمن كفيل بحلها، ففكرة المواجهة مع النفس غائبة، وهذا ما يعمق الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية. ولو عدنا للإشكالية المصرية المتجسدة في جماعة «الإخوان»، نجد أن نمط التفكير السائد لديهم لا يختلف عن الأحزاب السياسية الأخرى غير المحسوبة على الإسلام السياسي. فإذن نحن لدينا معاناة ثقافية هي ما يشكل استجابتنا لكل المتغيرات التي نواجهها. فالمعاناة الثقافية تظهر لنا نماذج متناقضة يتربى عليها النشء فتنتقل القيم المتناقضة من جيل إلى آخر، وهكذا تدور دورة الحياة ونحن نعيش قطيعة مع الزمن دون أن يتحرك الحس حول علاقتنا بالعالم، بافتراض أن الصراع وما ينتج عنه لدينا يمثل شغلا شاغلا للعالم! «الإخوان المسلمون» لا يريدون التعلم من تجربتهم في الحكم، إذ لديهم إصرار على أن يعيشوا مظلومية دائمة وأنهم الحركة الكفيلة بحل مشاكل المسلمين، رغم فشلهم الذريع في فترة زمنية قياسية لحكمهم أكبر دولة عربية. فحالة الجفاف العربي مرَضية بطبيعتها وتحتاج إلى جراحة عميقة لإعادة الوعي لعلّنا نتلمس الطريق ونشعر بضخامة الأزمة وتعقيدها، ونبتعد عن التسطيح في فهمنا لطبيعة المخرج من أزمات مستحكمة في مشهدنا العربي.