وعود "روحاني" ومشكلات ليبيا... ومبررات قوية لمفاوضات السلام هل يغير "روحاني" السياسة الإيرانية؟ وماذا عن مشكلات ليبيا؟ وما مدى أهمية مفاوضات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية رغم التوترات الراهنة في مصر وسوريا؟ تساؤلات نضع إجاباتها تحت الضوء ضمن إطلالة سريعة علي الصحافة الأميركية. عبء على "روحاني" يوم الاثنين الماضي، وتحت عنوان "عبء حسن روحاني"، كتب "راي تقيه" مقالاً في "لوس أنجلوس تايمز"، أشار في مستهله إلى أن إيران ستُنصّب رئيسها السابع رسمياً يوم 4 أغسطس المقبل، حسن روحاني يتسلم السلطة في إيران في وقت تواجه هذه الأخيرة عزلة دولية واستياءً داخلياً متنامياً. تقيه، وهو زميل رئيسي في "مجلس العلاقات الخارجية الأميركي" يرى أن "روحاني" غيّر بالفعل من لهجة النظام الإيراني، ووعد بتحديث سياسة إيران في مجالات عدة. ويتوقع الكاتب أن من الصعب مقاومة إغراء الانخراط في حوار مع الساسة الإيرانيين الذين يتكلمون بلغة براجماتية. وبما أن "روحاني" تسلم السلطة، فمن الأفضل التوقف ومعرفة ما مدى صلاحياته في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وكم من رأسماله السياسي الذي ينوي إنفاقه للوفاء بوعوده الانتخابية. وينوّه الكاتب إلى أن "روحاني" كان داخل النظام الإيراني منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، وأمضى فترة في منصب أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، وآنذاك كان يحل النزاعات ويربي شخصيات قومية. مكمن التناقض أن الملف النووي الإيراني الذي ساعد روحاني على الفوز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، هو نفسه، الذي يثبت عدم قيام روحاني بشيء قبل عِقد من الزمان. ففي عام 2004 وجه المرشد الأعلى لوماً لروحاني، الذي كان وقتها مفاوضاً نووياً، بسبب التعليق الطوعي لبرنامج إيران النووي. وخلال رئاسة أوباما، رفضت إيران عروضاً مخلصة للحوار، وتخلت عن وعودها بالتعاون، وأدانت إجراءات مجلس الأمن واعتبرتها غير قانونية وغير شرعية. هذا كله في الملف النووي فقط، وفي الأزمة السورية، نجد أن إيران تظل داعماً فظاً لحكومة الأسد. ويقترح الكاتب طريقة لقياس مدى نفوذ روحاني، وهي محاسبته على وعوده. إيران تدعي أن برنامجها النووي يسير وفق معاهدة حظر الانتشار النووي،أن المعاهدة تضمن للموقعين عليها الاستفادة السلمية من العلم النووي، لكن من يتبنى هذا الطرح يتجاهل التقارير الخاصة بوكالة الطاقة الذرية التي تبدي عدم قناعة الوكالة بالتزام إيران بالمعاهدة، حيث أصبحت الممارسة التقليدية لطهران هي الإصرار على حقوقها وإنكار ما عليها من التزامات. ومن ثم العبء الملقى على كاهل روحاني يتمثل في تغيير كل هذا، وضمن هذا الإطار، أشار روحاني في أول مؤتمر صحفي يجريه عقب انتخابه، إلى أن بلاده ستكون "أكثر شفافية وأن توضح أن أنشطها تأتي في إطار المعايير الدولية. ويقول الكاتب إن إيران ولسنوات طويلة غير راغبة في ضمان حصول وكالة الطاقة الذرية على ضمانات بالوصول إلى منشآت إيران النووية أو مقابلة علماء إيران النوويين، أو أن تكون صريحة حول أنشطتها التسلحية السابقة. ويأمل الكاتب أنه في هذه المرحلة الجديدة من الشفافية ربما يبدى "روحاني" عزمه على التفاوض من أجل خطة بموجبها تضمن وكالة الطاقة الذرية الوصول إلى منشآت نووية لطالما أنكرت إيران وجودها، فهل ينجح روحاني في هذا الاختبار، وبعدها تستطيع القوى الدولية الكبرى الاعتماد عليه؟ ويرى الكاتب أن سجل "روحاني" لا يخلو من مثالب، فهو قال إنه استثمر الوقت أثناء تعليق برنامج إيران النووي لإحراز تقدم، مستغلاً غموض الاتفاق الذي على أساسه تم التعليق. وفي أكتوبر 2009 وعندما أومأت طهران بموافقتها على إجراء لبناء الثقة تمثل في شحن نسبة من اليورانيوم المخصب الخاص بها كي تتم معالجته في الخارج، آنذاك انضم روحاني إلى المسؤولين الإيرانيين الرافضين لهذا الاقتراح. مشكلة في ليبيا أول أمس الاثنين، وتحت عنوان "مشكلة في ليبيا"، نشرت "واشنطن بوست" افتتاحية استهلتها بالقول: إن تطورات الأحداث في مصر زادت الضغط على دولتين أخريين في شمال أفريقيا كانتا قد انتفضتا ضد نظاميها على أمل تدشين نظام ديمقراطي، وهما تونس وليبيا. في تونس نجد أن الإدارة الإسلامية المنتخبة تناضل من أجل الوصول إلى توافق مع خصومها العلمانيين، هذه الإدارة تعرضت لهزة الأسبوع الماضي بعد اغتيال معارض علماني على يد "الجهاديين"، هذا قد يثير تحركات تشبه تلك التي وقعت في مصر وأججت تظاهرات عارمة أدت إلى تدخل عسكري. وعلى الرغم من ذلك، فإنه إذا مضت العملية الدستورية نحو الأمام، والتي تأخرت طويلاً، فإنه ستكون لدى التونسيين فرصة في غضون شهور قليلة لتغيير حكومتهم من خلال انتخابات برلمانية ورئاسية. وفي ليبيا المجاورة بات الأمر أكثر اضطراباً، فالبرلمان الانتقالي المنتخب تم إرباكه عبر تدخلات من قوى خارجية، بما فيها الميليشيات الخارجة عن السيطرة والتي باتت أكبر مشكلة في البلاد. ومع ذلك نجح البرلمان خلال الشهر الجاري في اتخاذ خطوة صوب الاستقرار تمثلت في إقرار قانون لتدشين جمعية دستورية تجهز لصياغة دستور ليبي جديد. وحسب الصحيفة، إبان حكم القذافي افتقرت ليبيا إلى دستور وأيضاً إلى مؤسسات عدة من بينها المحاكم والقوات المسلحة وعناصر الشرطة المحترفة؛ البلد الغني بالنفط والغاز وقليل الكثافة السكانية، سيكون من السهل عليه نظرياً اتخاذ خطوات نحو التحديث مقارنة بمصر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه مؤداه: ما إذا كانت العملية السياسية البطيئة والمؤلمة الرامية إلى تأسيس دولة، ستطغى عليها حالة انعدام القانون الناجمة عن تركة القذافي المتمثلة في عشرات من المجموعات المسلحة التي نشطت عقب سقوط نظام القذافي في 20 أكتوبر 2011. إحدى هذه المجموعات تعرف بـ" أنصار الشريعة" يُعتقد أنها ضالعة في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 سبتمبر 2012، وهناك مجموعة أخرى أطلقت النار في يونيو الماضي على مواطنين في بنغازي كانوا يتظاهرون ضدها ما أدى إلى مقتل 30 شخصا. وشهد يوم السبت الماضي هجوماً على سجن وإطلاق سراح 1000 من نزلائه من بينهم الكثير من المنتسبين لجماعات مسلحة. وحسب الصحيفة، يهدد المسلحون البرلمان المنتخب الذي قرر إصدار قانون يمنع أيا من الضباط الذين سبق لهم العمل إبان حقبة القذافي من شغل أي منصب حكومي. وتشير الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الليبي علي زيدان وهو ليبرالي ديمقراطي يواجه ضغوطاً متزايدة من الإسلاميين ومن المجموعات المسلحة، طالب الحكومة الغربية بمساعدته على بناء قوات مسلحة وعناصر شرطية قادرة على استيعاب بعض الميليشيات وإبعاد متشددين مثل المنتسبين لجماعة "أنصار الشريعة"، لكن استجابة إدارة أوباما وحلفائها كانت ضعيفة، فإيطاليا التي تقودها حكومة مشغولة بإجراءات التقشف قالت: إنها ستدرب آلافاً قليلة من قوات الأمن الليبية داخل ليبيا وخارجها بمساعدة من البريطانيين. وتطالب الصحيفة الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات التي شاركت في عملية التدخل العسكري التي قادها "الناتو" عام 2011 تقديم المزيد من المساعدة لليبيين، بما في ذلك تدشين برنامج للمساعدة العسكرية، ففي ليبيا ودول عربية أخرى كثيرة، ثمة فرصة حقيقية لتدشين مؤسسات ديمقراطية، لكنها تتعرض لتهديدات بالفوضى، وفي هذا المجال يبدو أن أوباما ضيع فرصة تلو الأخرى. سلام الشرق الأوسط "محادثات الشرق الأوسط.. كثير من المغامرة قليل من الأمل لكن لا يزال يتعين علينا المحاولة"... هكذا عنون "آرون ديفيد ميلر" مقاله المنشور يوم أمس في "نيويورك تايمز"، استنتج خلاله أن نجاح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في جعل الإسرائيليين والفلسطينيين يستأنفون المفاوضات أمر يضع الولايات المتحدة أمام تحدٍ وشيك. وحسب "ميلر" إلى الآن لا توجد فرصة لإنجاز اتفاق ينهي النراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لكن بعد أن ضغطت واشنطن على الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، فإنه من المفترض أن تكون واشنطن مسؤولة عن إنتاج اتفاق ينهي النزاع. وفوق كل ذلك، يحتاج الأميركيون الآن سقف توقعات منخفض لإيجاد محور تركيز واقعي في هذه المفاوضات، هذا يعني الدفع في اتجاه اتفاق حول الحدود والأمن أولاً من دون استبعاد المناقشات الخاصة بالقدس واللاحئين. كثيرون يتساءلون لماذا يركز "كيري" على النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، بينما تعيش سوريا حرباً أهلية وتمر مصر بأزمة سياسية، وتتحرك إيران صوب تطوير قدرات عسكرية نووية؟ الإجابة تكمن في أن التفاوض بشأن هذا النزاع أولاً هو أمر جوهري بالنسبة للشرق الأوسط. صحيح أن إبرام اتفاق نهائي قد يكون غير ممكن الآن، لكن من دون مفاوضات لإدارة الموقف، سيتدهور الأمر أكثر وأكثر. وبالنسبة لإسرائيل، فإن غياب مفاوضات جادة سيزيد من عزلتها ويبدد- حسب الكاتب- أملها في حل يؤمن لها قيمها كدولة "يهودية ديمقراطية"، وبالنسبة للفلسطينيين، فإن غياب المفاوضات يعني مزيداً من الاستقطاب الفلسطيني والبحث عن طرق لتحدي الاحتلال، منها تعزيز شوكة "حماس" وغيرها من المنظمات الإسلامية للهجوم على إسرائيل بأسلحة أكثر قوة. كما أن عزم حل القضية الفلسطينية سيضر مع مرور الوقت معاهدتي السلام بين مصر وإسرائيل وأيضاً بين الأخيرة والأردن، وذلك بغض النظر عن من يمسك بالسلطة في هذين البلدين العربيين علمانيون أم إسلاميون. إعداد: طه حسيب