لا أعتقد أن انتخاب حسن روحاني كرئيس جديد لإيران سيحدث أي تغيير جذري يذكر في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية مع بعض التنازلات التي سيسمح بها رأس النظام لتخدير الشعب والتخفيف من الضغوط الخارجية والداخلية على إيران. وبالرغم من جاذبية روحاني خاصة لدى جيل الشباب في البلاد، والذين يمثلون ثلثي سكان إيران (70 مليونا من هم دون سن الـ 35) فإن "روحاني" هو ابن بار لنظام سياسي، مرجعيته إمبريالية مذهبية توسعية تسير وفق خطة كبرى لا تقبل المساومة أو التفريط في أسسها. وأنْ يشير روحاني إلى أنه سيكبح أنشطة الشرطة الأخلاقية الدينية ويمنعهم من اعتقال النساء لعدم ارتداء الحجاب الصحيح والمعاطف، ورفع القيود المفروضة على الإنترنت وإحداث توافق في الآراء مع المسؤولين الحكوميين، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، فكل هذه التصريحات هي اعتيادية في حبكة تكييف العقل الجمعي للشعب، وهذه السرمدية السياسية النفيعة باسم نقاء العقيدة والمذهب هي لعبة نظام الملالي وحجر الأساس في فلسفة عقدية وجودية تمزج الدين بالسياسة. من جانب آخر، كان روحاني مفاوضا أعلى مع الاتحاد الأوروبي بشأن البرنامج النووي، ومسؤولا حكوميا في المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 16 عاما، تحت رئاسة الرئيسين السابقين أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وكلاهما أيدا بقوة ترشيحه. الجدير بالذكر هنا، أنه خلال رئاسة خاتمي جمدت إيران ظاهرياً برنامجها النووي، وخففت القيود الاجتماعية، وفتحت باب دبلوماسية حوار الكر والفر مع الغرب، ولكن حتى لو اتبع روحاني نهج محمد خاتمي السياسي ما الذي سيفعله روحاني لمواجهة قضية العقوبات المفروضة على إيران والتضخم والفجوة الأيديولوجية والعقدية بين الأجيال وتردي مستوى المعيشة والخدمات الرئيسية وبطالة الشباب، والتي تسببت في واحدة من أعلى معدلات هجرة الأدمغة في العالم في الوقت الحاضر، وإن معدل البطالة في البلاد يبلغ نحو 12 في المئة. وواقعياً يبدو لي أنها ضعف هذه النسبة علاوة على أن البطالة بين صفوف الشباب بالتحديد بلغت 40 في المئة، والحديث عن اختلاف روحاني عمن سبقه في دفة الرئاسة ليس واقعياً، ففي إيران آلية النظام السياسي المتبعة بتحالف السلاح مع المرجعية الدينية العليا هو من يسير البلد وليس شخص الرئيس وحكومته، وروحاني الذي شغل منصب سكرتير ومن ثم رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، لو لم يكن موثوقا به من قبل المرشد الأعلى الحالي لما احتل هذه المناصب الحساسة المتعلقة بالأمن القومي الإيراني، وهو أيضاً عضو في مجتمع محافظ لرجال الدين المقاتلين، فهل يعقل أن رجل دين من هذه الخلفية لم يكن مدعوماً من قبل المنظمة الدينية في الانتخابات؟ والسياسة الإيرانية، كالكتاب الذي يتغير عنوانه وصفحته الخارجية، ولكن المضمون يبقى كما هو بلا تغيير في كل النسخات. فبعد انتخاب روحاني الشهر الماضي كرئيس منتخب لإيران، أرسل رسائل إلى بشار الأسد و"حزب الله" تؤكد استمرار دعم حكومته لهما كحليفين، وقد كتب روحاني أيضاً إلى حسن نصر الله قائلاً: «إن إيران تدعم "أمة صامدة" في لبنان وفلسطين»، في إشارة إلى حركة "حماس" مما يعكس نوايا روحاني، وبالرغم من ذلك فإن خريطة الطريق للسياسة الخارجية من الأرجح أن تبدأ بتحسين علاقات إيران مع أوروبا، والقيام بحملات دعائية في الخارج، لتخفيف وطأة العقوبات والتركيز على الجانب الإنساني والثقافي والحضاري لمعالجة القضايا التي تؤثر بصورة مباشرة على معيشة الناس، وبهذه الخطوات الأولية سيلجم غضب الشارع مؤقتاً ويحد من خطر إثارة حفيظة اليمين المتطرف، وإبقاء الإعلام على مسافة آمنة منه لكسب الوقت والإعلان عن إصلاحات صورية لهيكل النظام ولعب دور المنقذ ورجل الشعب، وسيتركه النظام يمضي قدماً في هذه المسرحية لتوجيه غضب الجماهير والشارع للأيدي الخارجية الخفية والمتشددين من الملالي الذين ترى القيادة العليا أن أدوارهم قد انتهت، وهذه مرحلة تحتاج لبداية جديدة ولملالي عولمة المذهب الشيعي تحت حراسة أجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية. وليس من الواضح إذن ما سيقوم الإصلاحيون المعتدلون بالضغط الفعال على أجهزة الدولة ومجلس صيانة الدستور. ولن يغير انتخاب روحاني من الوضع الراهن في إيران وآلية ودائرة اتخاذ القرار السياسي فيها، ففي إيران لا يحق للرئيس القول الفصل في المسائل الرئيسية في الدولة، فهذا الحق في إيران محجوز للمرشد الأعلى" آية الله علي خامنئي " وفقاً للمادة 110 من الدستور، ويمكن للزعيم إقالة الرئيس في أي وقت وتعيين أو عزل رؤساء الحرس الثوري والجيش، ورئيس القضاة، ورئيس الإذاعة والتليفزيون، وغيرها، وعلاوة على ذلك قال إن لديه القدرة على إصدار "مرسوم الدولة" الذي يتجاوز كل القرارات التي يتخذها أي شخص أو مؤسسة في البلاد وإذا تمعنا في مواد الدستور الإيراني، سنجد أن رئيس الدولة ليس سوى مدير تنفيذي للشؤون اللوجيستية، وتسيير روتين عمل جهاز الحكومة في البلد. أما القرارات بشأن قضايا حساسة مثل الحرب في سوريا أو البرنامج النووي فهي تماماً تحت سلطة المرشد الأعلى. ولذلك الانتخابات في إيران ليست تحدياً بين الحزب الحاكم والمعارضة بل فهي في أحسن الأحوال خلط ورق اللعب داخل الزمرة الحاكمة بما لا يسمح لأي معارضة حقيقية العيش بحرية، ناهيك عن الترشح لمنصب الرئاسة والفوز به وظهور روحاني المفاجئ على الساحة السياسية مؤشراً صريحاً بأن المرشد الأعلى يتحرك بعيداً عن فكرة الإصلاح والاعتدال، والقضاء على رفسنجاني هو أوضح إشارة إلى أن خامنئي يعمل بشكل كامل للحفاظ على نهجه المتشدد في متابعة التسلح النووي، فخامنئي هو مهندس الانتخابات ودور روحاني في هذه المعادلة هو كسب الوقت من أجل تبلور أهداف طهران النووية. وليس أمام الغرب غير اختيار تقبل إيران المسلحة نوويا، أو أخذ مسار المواجهة المباشرة أو غير المباشرة أو بالوكالة بمختلف الطرق والوسائل المتاحة، خاصة أن إيران مؤمنة أنها لا يمكن أن تخسر سوريا بعد أن وضعت خطة تنفيذية لمساعدة سوريا سميت بخطة الجنرال سليماني، والتي تتضمن ثلاثة عناصر أولها إنشاء جيش طائفي شعبي من الشيعة والعلويين مدعوم بقوات من إيران والعراق وحزب الله ووحدات رمزية من الخليج العربي، ثانيها إيصال العدد الكلي للقوة إلى 150000 مقاتل، ثالثها سيتم دمج هذه القوة الإقليمية مع الجيش السوري، فلبنان وسوريا أعطتا إيران العمق الاستراتيجي الأكثر تأثيراً في المنطقة، وكانت مصر في الطريق لحدوث انقلاب شامل في موازين القوى في الشرق الأوسط، تحت مرآى ومسمع إمبريالية العولمة ورموزها الذين غضوا النظر عما يجري مقابل تأمين مصادر الطاقة مقابل أي ثمن، وخطة العمل الإيرانية لمرحلة لما بعد سقوط الأسد تم التصديق عليها وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فهل ستكون فترة رئاسة روحاني نهاية سطوة حكومة الإسلام الشيعي ودولة الإمامة، وبداية الربيع الإيراني وسيتلوه الربيع التركي؟ في رأيي الجواب هو.. نعم.