قبل تسع سنوات طوى التاريخ آخر صفحة من مجلد عظيم هو "الشيخ زايد"، آخر صفحة لشخصية ستضاف إلى قائمة العظماء، وستبقى في ذاكرة التاريخ للأبد، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، صانع اتحادها وقائد مسيرة بنائها وانتقالها من عصر إلى عصر، والارتقاء بمكوناتها، لتصبح في عقود قصيرة في سنواتها وطويلة في إنجازاتها، من الدول العصرية بفضل استمرار قيادتها على النهج نفسه بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. زايد الحكمة سخّر مقدرات بلده في خدمة بنائها وتطورها، وامتدت يده الخيّرة بالعطاء والحب إلى كل مكان في العالم احتاج مساعدة بسبب كوارث طبيعية أو أوضاع إنسانية مأساوية. لقد عمل "زايد الخير" على ألا تبقى في العالم صرخة طفل مريض، ولا إنسان جائع، ولا يتيم محروم، حتى أصبح اسم "زايد" مرتبطا بأحداث ومواقف لا يمكن فصلها عنه أو ذكرها من دونه، فهو رئيس عادل حمل في عنقه أمانة شعب وتاريخ أمة، وترفع فوق كل النزاعات والتيارات الصغيرة. كان بالفعل إنساناً عظيماً لا يمكن لمؤرخ تقييمه قبل أن يرتفع هو نفسه فوق التيارات النفسية، والآراء الشخصية والنظرات الضيقة. كان (رحمه الله) يرى أن الحكم أمانة والسياسة فن الممكن، والعدل خير وسيلة لنشر الأمن والاستقرار. فمن الممكن للإنسان أن يقرأ تاريخ دولة عبر سيرة رجل حين يمتزج تاريخ المكان بالشخصية. هكذا يمكن لنا أن نقرأ تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة بقراءة سيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ربما تعددت الآراء حول تسميته: رئيس، مؤسس، بانٍ أو بحكيم الأمة، ولكن مسمى واحداً يليق بعظمة الشيخ زايد هو "زايد" فقط الذي أحبه المكان، الزمان، والإنسان. فالرجال العظماء لا يموتون ولا يقدر النسيان على طي صفحاتهم من سجلات الأيام وذاكرة الزمن لأن التاريخ لا ينسى الذين صنعوه. الشيخ زايد لم يحمل هم الناس عندما أصبح رئيساً فحسب، ولم يمارس دوره البارز عندما أصبح حاكما فحسب، ولكنه بدأ في صناعة تاريخ الإنسان الإماراتي قبل ذلك بكثير مروراً بكل ما أنجزه على المستوى الرسمي وعمله الدؤوب كمهندس فعلي وحقيقي للطفرة التي نقلت الإنسان الإماراتي لمصاف الشعوب الغنية ونقلت الإمارات إلى مصاف الدول الأكثر تطورا ونهضة بين دول العالم. سابق الزمن وسبقه بمراحل عديدة.. حتى أصبح ليس في ذاكرة الإماراتيين وحدهم ولكن التاريخ الإسلامي وأكثر من مليار مسلم سجلوا وقفاته إلى جانبهم وخدماته لمقدساتهم بسطور من نور لا تخبو ولا تنطفئ. فالشيخ زايد تاريخ كامل من الخير ومن العطاء ومن البذل ومن الإخلاص ومن الحق، وتاريخ لن يموت برحيل جسده الطاهر عنا جميعا إلى جوار ربه. سيبقى كل هذا الخير والعطاء والبذل صدقة جارية يجني الجميع خيرها ويكتبها الله له في ميزان أعماله. فيغيب الشيخ زايد بجسده لكن روحه وذكراه ستبقى أبد الدهر حاضرة تلهم وتشد من أزر أبناء وطنه، وتدفعهم إلى الأمام مع كل إشراقة شمس. عبدالله المطوع إعلامي إماراتي