عدم الثقة بأي منتسبٍ لحركات الإسلام السياسي هو الدرس الذي ينبغي أن يستخلصه كل متابعٍ ومراقبٍ لما يجري في العالم العربي اليوم، فهم وإنْ تعددت أشكالهم وتنوعت تشكلاتهم يسعون لهدفٍ واحدٍ هو الاستيلاء على السلطة بأي سبيلٍ وهم حربٌ على أوطانهم وشعوبهم وكل من يتحالف معهم ما لم يخضع لأجندتهم ويخدم غاياتهم. والمنتسبون للإسلام السياسي لا علاقة لهم بالمتدينين التقليديين من زهادٍ وعبادٍ لا يريدون سوى الله والدنيا الآخرة. لقد قام "الإخوان المسلمون" طويلاً بملاعبة كل القوى في السلطة وخارجها منذ تأسيسهم وإلى اليوم، ففي العصر الملكي بمصر لاعبوا مراكز القوى جميعاً فاتصلوا بالإنجليز وحاولوا التقرب للملك فاروق، وسعوا للتواصل مع حزب "الوفد" وقائده النحاس باشا، ومن لم يحسنوا ملاعبته خلقوا له "تنظيماً سرياً" متخصصاً في القتل والاغتيال والتفجير، وهم لم يفعّلوا آلة القتل تلك مع السياسيين فحسب، بل مع القضاة ورجال الدين بل والأتباع غير المطيعين أو الذين لديهم انتقاداتٌ أو تساؤلات تعارض الطاعة العمياء التي يربون عليها أتباعهم منذ نعومة أظفارهم حتى مشيب عثانينهم. اليوم، نجد أن كل الأحزاب الدينية المشتغلة بالسياسة، وإنْ كان جديراً تمييزها وفهمها كما ينبغي لباحثٍ إلا أنها في لحظات الأزمات تتحد في مشروعٍ واحدٍ ورؤيةٍ واحدةٍ، ولكنّ بعضها يكون صارخاً وبعضها يريد تمثيل الهدوء وتمثيل الاعتدال، وموقف حزب مصر القوية وزعيمه عبد المنعم أبو الفتوح وموقف القوى السلفية السياسية في غالبها وموقف رموز الإسلام السياسي داخل وخارج مصر خير مؤيدٍ لهذا الطرح. في مثل هذه اللحظات التاريخية كان يتم التلاعب بالجماهير والعامة من خلال الخطب والتفسير الذي يقدم للمواقف، وحديثاً يتم نفس التلاعب من خلال الصور ومقاطع الفيديو، وحالياً يتم ذلك عبر محاولات الخداع المستمرة بحيث يتم نقل صور ومقاطع الفيديو المعارضة لـ"الإخوان" على أساس أنها مؤيدةٌ لهم، وتقع في هذا الفخ وسائل إعلامٍ كقناة "الجزيرة" التي كان يفترض فيها أن تكون محل ثقةٍ على الأقل لدى محبيها، وها هي تفقد هذه المصداقية بعدما تخلّى عنها بعض أتباعها السابقين من قوميين وأتباع المشروع الإيراني ولم يتبق لها إلا لون جماعة "الإخوان المسلمين" الفاقع. الملاحظ أن تصريحات "الإخوان المسلمين" في الفترة الأخيرة بدأت تظهرهم على حقيقتهم، فأخذوا يتجاوزون كل الأعراف والتقاليد بل والمحاذير الدينية، فهذا مرشدهم محمد بديع يشبّه عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي بهدم الكعبة حجراً حجراً ويتهجم بشكلٍ مباشرٍ على السعودية، ومثله وأسوأ منه حديث الولي الفقيه السـُني يوسف القرضاوي، الذي بعد ثنائه على السعودية وعلمائها قبل فترةٍ وجيزةٍ عاد لينقض غزله أنكاثاً ويتهجم على السعودية والإمارات بعباراتٍ نابيةٍ وغير لائقةٍ، وقد أخذ كاتب هذه السطور حينها موقفاً ناقداً وحذر من خطورة هذا الرجل وخطورة أي انخداعٍ به، وها هو يعود في 21 يوليو الحالي في برنامجه المتطرف ليسمي المليارات التي قدّمتها دول الخليج لمساعدة الشعب المصري بمليارات المستأجرين، ثم يعود مرةً أخرى قبل يومين ليتهجم مرةً أخرى على السعودية والإمارات والكويت والبحرين قائلاً زوراً وبهتاناً "المصريون يقتلون بملياراتكم"، وهذا كذبٌ محض وافتراء صرف، ولكن صدمتهم بسقوط سلطتهم أعمت قلوبهم وأصمت آذانهم وأفقدتهم كل قدرةٍ على الإخفاء والتزين والخداع. وخرج بجواره مواطن اكتسب حديثا جنسية دولة خليجية داعمة لـ"الإخوان"، يتهجم ويهجو أهله السابقين ووطنه الذي كبر وشاخ يتفيأ ظلاله ويأكل من خيره، بأسلوبٍ لا يليق بعاقلٍ فضلاً عما يقدّم نفسه كرجل دين متعصرن، مشبهاً أهله السابقين بالبهائم، وقل مثل ذلك في عشرات المنتمين للإخوان المسلمين ممن بدؤوا يتهجمون بكل وقاحةٍ على دولهم وقيادتهم ويرمون الكلام على عواهنه لا يلوون على شيء هجاءً وشتماً رخيصاً وتلميحاً بالتكفير ومناصبة العداء لأوطانهم ما يوجب وقفةً صارمةً لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فالسكوت اليوم ستكون ضريبته باهظةً في الغد القريب فضلاً عن البعيد، وهؤلاء أشبه بالأورام السرطانية ما لم يتم اجتثاثها مبكراً عاثت فساداً في البلاد والعباد. وثمة فئة في الخليج هي أسوأ بنظري من "الإخوان المسلمين" وهي فئة "الليبرو إخوان" وهي عبارة عن أسماء تنتمي للثقافة أو الإعلام أو الشهرة بشكل عامٍ وهي تدافع عن "الإخوان" وتمتزج بمشروعهم وتناصرهم في كل موقفٍ وتؤيدهم في كل سياسة وتتغاضى عن سيئاتهم التي كالجبال، وهي مثل حاطب الليل، تجمع الحية مع العصا دون علم ولا وعي، وهم في بعض الأحيان "إخوانيون" أكثر من "الإخوان" وحين تجادلهم لا يحيرون جواباً إلا القول إنني لست من "الإخوان" ولكني أدافع عن الحق. منطق عجيب حقاً، أي حقٍ في العنف وتاريخ العنف وتشريع العنف، أي حق في الإرهاب والتحالف مع الإرهاب والدفاع عن الإرهاب والتخطيط للإرهاب، أي حقٍ في التهجم على دول الخليج وشعوبها وحكامها، ظلماً وعدواناً، أي حق في التكفير بالجملة والمفرّق، ما لكم كيف تحكمون؟ لا يمكن لأحدٍ أن يبرر الدماء ولكنّ الحروب والصراعات الكبرى لا يمكن أن تدار بعبارات منمقةٍ وكلماتٍ مزوقة، بل بقرارات شديدة الصعوبة وتحمّل للمسؤولية في الانحياز لحماية الأكثرية من جرائم الأقلية المتطرفة التي لا تعرف سوى الإرهاب والعنف، والقائد الذي يمتلك رؤيةً ومشروعاً لن يقنع الناس به حتى يروا حزمه وعزمه ونتائج وثمار سياساته استقراراً وأماناً. من الجيد رؤية الأمور كما هي بدون تزويق، ومن الجيد توصيفها كذلك، ثمة مشكلة لدى واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي تغاضى عنها العقلاء وتحملوها، وحين ظنت أنها أكبر الرابحين خسرت كل رهاناتها في المنطقة، فسوريا اشرأبت للسعودية، ومصر عادت للمصريين، وتونس تنتفض وليبيا تتململ من الإسلام السياسي بشتى ممثليه، وعليها أن تشعر بأن كل صبرٍ له حدود ولئن لم يكن في الأخلاق والتقاليد واعظ فيجب أن يكون في السياسة رادع. أخيراً، يجب على الدول في لحظات الاضطرابات الكبرى أن تحدد بوضوحٍ من هم حلفاؤها ومن هم أعداؤها، في الداخل والخارج، ولا ترعي المتخاذلين سمعاً، فذلك سبيل لاحبٌ للنجاح والظفر، وكم هو بليغ قول الأول: جزى الله الشدائد كل خيرٍ/ عرفت بها عدوي من صديقي