هناك قدر كبير من الأشياء التي لا نعرفها (حتى الآن)، عن جهود جون كيري لاستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعن الضمانات التي ستقدمها الولايات المتحدة للجانبين، والالتزامات التي التزما بها وبالطبع، عن شروط استئناف المحادثات. بيد أن هناك شيئاً نعرفه حق المعرفة، هو أنه لا شيء يحدث بسرعة عندما يتعلق الأمر بالعرب والإسرائيليين، باستثناء الفشل ربما. فالعرب والإسرائيليون لديهما سرعتين عندما يتصل الأمر بالمفاوضات: البطيئة، والأبطأ منها. إذن كيف يتسنى لنا معرفة ما إذا كانت هذه العملية تمضي على المسار السليم، وأنها لن تتحول إلى محاولة أخرى مثل غيرها من المحاولات السابقة التي لم يقدر لها النجاح؟ فيما يلي خمسة أسئلة سأتطلع للإجابة عليها من الجانب الأميركي: السؤال الأول: هل هناك شروط مرجعية أو رسائل طمأنة؟ في اللحظة الحالية يبدو جهد كيري معلقاً في نقطة ما بين المحادثات حول المحادثات، وبين المفاوضات الحقيقية. وهناك حاجة ماسة لبناء جسر للتحرك ما بين نقطة وأخرى. وهذا الجسر يتمثل في تفاصيل الشروط المرجعية، ومنها على سبيل المثال الحدود، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، نزع سلاح الدولة الفلسطينية التي ستكون دليلا هادياً للمفاوضات. والشيء المثالي أن يعترف الطرفان بهذه الشروط المرجعية علناً وسراً. وهو شيء من الواضح أنه غير ممكن الحدوث في حالتنا هذه. والاحتمال الأرجح أن الالتزامات المتعلقة بالمسائل الحساسة سوف تقدم لكيري على انفراد، باعتباره مستودع أسرار كل من الطرفين، أو ربما تأتي على شكل تطمينات من الولايات المتحدة لكل طرف في صورة رسالة رسمية. السؤال الثاني: هل هناك نص للمفاوضات (وخرائط أيضاً)؟ من المبكر توقع ظهور نص للمفاوضات، لكن من دون ظهور مثل هذا النص في أسرع وقت ممكن، حتى على مستوى المبادئ العامة على الأقل، فإن هناك احتمالا كبيرا لتعليق لافتة «مغلق بسبب موسم الإجازات» على هذه العملية، وعلى أي أمل للتوصل لاتفاقية يمكن ترجمتها إلى خرائط طريق تمثل علامة مهمة على جدية العملية أو عدم جديتها. السؤال الثالث: هل ستكون هناك جسور أميركية للتقريب بين الطرفين؟ لا يزال من المبكر إقامة مثل هذه الجسور. وكيري في حاجة لجعل الطرفين ينخرطان في المحادثات بشكل مباشر، لكن عليه أن يعرف أنه باستثناء اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية، فإن أي اتفاقية أخرى قدر لها الاستمرار لم تأت من خلال المحادثات المباشرة فقط وإنما من خلال وساطة الولايات المتحدة أيضاً. السؤال الرابع: هل سيعين كيري مبعوثاً خاصاً؟ يتعين عليه أن يفعل ذلك. فبعد ست رحلات للشرق الأوسط، ومئات الساعات الإضافية التي قضاها في المنطقة، بات وزير الخارجية الأميركي يدرك أنه لا يستطيع أن يصبح الحارس الوحيد لعملية السلام. والحقيقة أن إشراك نائب مستشاره القانوني جوناثان شوارتز في المفاوضات كان أذكى قرار اتخذه كيري. فشوارتز ليس محامياً بارعاً وصائغ عبارات أريب فحسب، لكنه أيضاً رجل يتقدم بفكره خطوتين أو ثلاثة عن الباقين، ما يمكّنه من التوقع بأسلوب هادئ ومنفرد ماذا ستكون عليه احتياجات ومتطلبات الإسرائيليين والفلسطينيين عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجوهرية. السؤال الخامس: هل سينخرط أوباما شخصياً في المحادثات؟ الإجابة المختصرة لهذا السؤال هي «نعم»، وذلك إذا ما تبين أن هناك فرصا لنجاح المحادثات. أما إذا لم يحدث هذا فإن هذه العملية سوف تظل «عملية كيري للسلام». بيد أن ذلك لا يعني أن الرئيس سيرفض الالتقاء بالقادة من الطرفين أو الاتصال بهم هاتفياً، فهو سيفعل ذلك بالتأكيد. أما قيامه بعقد مؤتمر صحفي شامل يحضره قادة الطرفين فلن يحدث إلا إذا تحقق إنجاز كبير يحتاج إلى تواجده شخصياً لإتمام الصفقة أو الاتفاق. هذا علماً بأن التوصل لاتفاق سيكون معناه انتقال الطرفين إلى مرحلة جديدة تفوق المرحلة السابقة. وختاماً: هل سيتمكن كيري من تحقيق النجاح؟ سوف يكون التنبؤ بالمحصلة النهائية لجهد كيري في هذه النقطة من الزمن جهداً لا معنى له. وأود أن أشير في هذا السياق أن تحليلي الخاص بشأن عملية السلام بين العرب والإسرائيليين كان سلبياً على نحو مزعج للآخرين؛ ليس بسبب العقيدة، ولا بسبب التحيز، أو أي سبب آخر. وتقويمي الصحيح لهذه المسألة هو أنه يصعب علي أن أجد نفسي مقتنعاً بأن التوصل لاتفاق ينهي الصراع بشأن كل القضايا الكبرى، بما في ذلك القدس واللاجئين، يعتبر أمراً ممكناً الآن. لا أقصد القول بأن الاتفاق على الحدود والأمن لن يقود إلى وضعية الدولة الفلسطينية المؤقتة، مع تقديم التزامات بالتفاوض على باقي القضايا في الوقت المناسب، وإنما قصدي هو أنه حتى الوصول لهذه النقطة يتطلب جهداً بطولياً من جانب قادة الجانبين، الذين يمكن القول بأنهم سياسيون حريصون على تجنب المخاطر، أكثر من كونهم قادة عظاما. والسؤال الذي أنهي به هذا المقال هو: هل يستطيع هؤلاء القادة تحقيق المحال فعلا، إذا ما تم حثهم ودعمهم من قبل كيري وأوباما؟ سوف نعرف الإجابة عن هذا السؤال في الوقت المناسب. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آرون ديفيد ميلر كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»