التطورات في مصر وتونس، يبدو أنها تثير قلق الإسلاميين في ليبيا، الذين نجحوا منذ مايو الماضي في فرض قانون العزل السياسي، بقوة السلاح وحصار المجلس ووزارتي الداخلية والدفاع من قبل المليشيات المسلحة، حيث سيمهد هذا القانون الطريق لإجراء أكبر عملية تطهير للكوادر الوطنية المؤهلة والمدربة. ومن المؤكد أن الإسلاميين الليبيين قد استفادوا من إخوانهم في مصر أنه بدون السيطرة على الجيش والأمن والقضاء فإن كل مساعي (التمكين) ستذهب أدراج الرياح. ومن الواضح أن ليبيا تتجه نحو انقسام أكبر، وتدهور وهشاشة في الأمن، وانتعاش لـ«القاعدة» و«الجهاديين»، وتنامٍ لقوة «الإخوان المسلمين»، وتؤكد التطورات الأخيرة أن الإسلاميين قد وضعوا من أهدافهم «أخونة» الدولة والتغلغل في مفاصل مؤسساتها، عبر السيطرة الكاملة على السلاح أو (الجيش)، الذي لا يزال ضعيفاً بفضل الكتائب والألوية المسلحة المشكلة من تنويعة من «الجهاديين» و«القاعديين» وأبناء القبائل. وفي يونيو الماضي، أصبح الملف الليبي على قائمة أولويات الاتحاد الأوروبي والدول العظمى بعد انعقاد قمة الثماني في إيرلندا الشمالية، ولكن من المؤكد أن احتمالات تعاظم دور «الإخوان المسلمين»، لا يحتل أولوية في المخاطر والمحاذير المتوقعة على الأرض الليبية، وأن الأوروبيين والولايات المتحدة الأميركية معنيون على وجه الخصوص بمسألتين اثنتين: 1- تأمين الحدود الليبية الطويلة على المتوسط، لكي لا تكون أوروبا عرضة لأي أعمال إرهابية، والحيلولة دون تسلل الإرهابيين. وخصوصاً بعد الاعتداء على السفارتين الأميركية والفرنسية، وحادثة احتجاز السفينة الأوكرانية في 19 من الشهر الجاري، وهي مرشحة للتصاعد، بعد حادثة استهداف السفارة الإماراتية في 25 يوليو. 2- تقليل حركة الهجرة واللاجئين إلى أوروبا، بالتعاون مع النظام الليبي. ويسعى الأوروبيون مع شركائهم لإقناع الليبيين بشأن إدماج الكتائب والمليشيات المسلحة الليبية في الجيش النظامي والمؤسسة الأمنية. مع تكفل عدد من الدول بتدريب آلاف من المؤسسة الأمنية والشرطة، تشارك فيها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالعدالة الانتقالية، والحكم الرشيد، والحريات والمجتمع المدني وحقوق المرأة. ولكن كما هو متوقع وكما عهدناه في مصر وتونس، يبقى وصول الإسلاميين إلى الحكم في ليبيا قضية لا تستحق القلق عند صناع السياسة الغربيين. ومن التاريخ ودروسه، والتطورات الحالية، فإنه من المستبعد جداً أن يفرط الإسلاميون الليبيون بالمليشيات المسلحة، مهما تظاهروا بذلك أمام العالم. إن الخطر الحقيقي الذي يمكن أن تبزغ قرونه من ليبيا ليس في انتعاش «القاعدة» في الجنوب، ولا في المليشيات المسلحة، ولا في احتمالات تقسيم ليبيا، ولا في ضعف الأمن الحدودي الليبي نحو القارة الأوروبية وتسلل المهاجرين، بل يكمن الخطر في هيمنة الإسلاميين و«الإخوان المسلمين» على موارد النفط ومفاصل الاقتصاد الليبي، مع الالتزام تجاه الاتحاد الأوروبي بالاتفاقيات الأمنية المعنية بالحدود والهجرة، والشراكة التجارية. مما يمكنه أن يتسبب بمخاطر كبيرة إذا ما سعى إسلاميو ليبيا لضخ هذه الأموال في شرايين التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين». وبعد اغتيال معارض ليبي لـ«الإخوان المسلمين» الأسبوع الماضي، مع اغتيال آخر لا يفصله إلا ساعات لمعارض سياسي تونسي بارز، واستهداف سفارة الإمارات بليبيا، ومع لجوء «الإخوان» في مصر إلى العنف والإرهاب، وما يجري في سيناء من أعمال إرهابية، يمكننا القول إن الوشيجة التي تربط إسلاميي مصر بليبيا بتونس بغزة، هي الآن في ذروة نشاطها، وأخطر حالاتها عدوانية وإفساداً في الأرض.