مقاربة عدد من العلماء ضيوف صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لموضوع وسائل الاتصال الحديثة، بحسناتها وسيئاتها، وذلك فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا، تدل على أهمية الدروس التي يلقيها هؤلاء العلماء الأجلاء ومدى ارتباط برنامج محاضراتهم بالواقع الذي نعيشه. وسائل الاتصال الحديثة، بما فيها الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) وقنوات التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل عنصراً أساسياً في حياة الإنسان أينما كان، هي سيف ذو حدين، مثلما أشار عدد من العلماء في محاضراتهم. فهي من دون شك تمثل إضافة نوعية إلى عمل الباحث والتاجر والإعلامي، تقدم «المعارف العامة والخبرات، والدعوة إلى الله، والنصح للناس»، كما قال الدكتور محمد شرحبيلي في محاضرة بعنوان «وسائل الاتصالات الحديثة بين الإيجابيات والسلبيات». والحال أن الجوانب المضيئة لوسائل الاتصال الحديثة في مجال تعميق الخبرات البحثية واكتساب المعرفة بأنواعها، وصقل المواهب الفنية والاستفادة من التجارب المختلفة على نحو تفاعلي يعزز روح التعاون بين المرء والآخرين كما يقوي عنده القدرة على الابتكار. وهذه المزايا حاضرة بقوة في المجالين التجاري والاقتصادي أيضاً. وقد أفرد الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، حيزاً من كتابه الأخير الذي أطلق عليه «وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك»، لدور هذه الوسائط في تمكين الشركات الصغيرة من الانطلاق إلى الميدانين الإقليمي والعالمي، وتحقيق المزيد من النجاحات الموثقة في إحصاءات قامت بها مؤسسات معروفة. كما يتوقف الدكتور السويدي عند تأثيرات هذه الوسائل في زيادة التوجه نحو «اقتصاد المعرفة»، والانتقال إلى «الاقتصاد الافتراضي»، حيث التغلب على الحواجز الجمركية، وسرعة الوصول إلى العملاء. وفي المقابل، لا يمكن التقليل من خطورة الآثار السلبية التي تمخضت عن إساءة استعمال هذه الوسائل، والتي تبدو بسبب خطورتها الجسيمة، سبباً وجيهاً للدعوة إلى الحذر في التعاطي معها. وقد لفت عدد من العلماء الأجلاء النظر إلى الدور الخطير الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة «الإنترنت» في نشر الشائعات وبث أحاديث ومعلومات دينية مغلوطة وتشويه الحقائق والتحريض على الكراهية والإرهاب والعنف والفوضى الأخلاقية، وغيرها من الجرائم الإلكترونية والآفات الاجتماعية مثل التجسس على الآخرين الذي نهى ديننا الحنيف عنه. وقد سلّط الدكتور السويدي بدوره الضوء على جوانب سلبية شتى في سياق مناقشة أثر هذه المواقع في حاضر الإنسان ومستقبله. وإذ يدعو إلى تفهم المعطيات الجديدة والتعايش معها «من دون صدمة معرفية، أو إشكالية في التعامل»، ينبه إلى بروز «عصبية جديدة أقوى وأشمل» تتخطّى «عصبية القبيلة»، بمفهومها التاريخي المحدود في أفراد عشيرة معينة، فهو يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما «الفيسبوك»، قد أسهمت في تشكيل قبائل جديدة تضم كيانات و«عائلات» من مختلف الأجناس والدول والثقافات والأديان. هكذا تقضي الحكمة بالتعامل الحذر الذي يزيد من المزايا الحسنة لوسائل الاتصال الحديثة الكثيرة، في الوقت الذي يتم فيه اتقاء شرورها الخطيرة المحتملة، كما أوصى العلماء الأجلاء. ـ ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.