عبارة أتمنى ألا يسمعها أحدكم، لأنها مؤشر خطر على نفسية مُلئت حقداً وغلاً وبالذات إنْ صدرت ممن يدعون الالتزام بالإسلام، إذ لم أجد في كتاب الله ما يجيز مثل هذا الفحش في القول، بل على العكس، ديننا راق في تعامله مع من نختلف معه فكيف مع من يشترك معنا في الأسس الإسلامية على أقل تصور. ففي كتاب الله نجد آيات بينات كقوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)البقرة: من الآية83، ?وقوله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الإسراء: من الآية53، ?بل حتى في حوارنا مع من يختلف معنا في العقيدة كأهل الكتاب جاء الأمر من ربنا سبحانه، (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) العنكبوت/46.ومن أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام قوله «ليسَ المؤمِنُ بِطَعّان ولا لعّان ولا فاحِش ولا بَذيء». رواه البخاري. إذا كان ما سبق هو توجيه الإسلام في العلاقة بين الناس، حتى ولو اختلفنا في الرأي فكيف يجيز مسلم لنفسه أن يسب غيره، إن اختلف معه في الرأي؟ سؤال لن نجد إجابة عليه حتى نفهم أولاً كيف يقرأ الإنسان الأحداث من حوله، ثم كيف تتم برمجة هذا الإنسان، كي يصل إلى تلك الصورة التي لا تعبر في حقيقتها عن جوهر الإسلام ولا قيمه. في علم النفس تعلمنا أن الإنسان يرى الأحداث بحواسه الخمس أو بعضها على الأقل، وتنتقل هذه الأحداث إلى دماغه، كي يتم التعامل معها، لكن الأمور أكثر تعقيداً هناك، فتتدخل عوامل البرمجة التي يعمل عليها هذا الإنسان. ولتفسير هذا الأمر، دعوني أسوق لكم مثلا عندما تسمع كمسلم كلمة خنزير أجلكم الله تترجم هذه العبارة على أنها لحم محرم أكله، لكن غير المسلم الذي نشأ في بلد يتلذذ بهذا اللحم قد يسيل لعابه عند سماع هذه الكلمة... أتمنى أن تكون الصورة قد اتضحت قليلاً، وكي أعقد الموقف أضرب لكم مثلاً من الشخص نفسه والحدث نفسه وكيف تتغير ردة فعله، لو رأيت طفلاً صغيراً وقد سال من أنفه سائل أخضر اللون- مشهد مقزز أعتذر عنه- ماذا ستقول، وكيف ستتصرف، وما هي مشاعرك تجاه هذا الحدث؟ لكن لو كان هذا الطفل هو ابنك، هل ستتغير مشاعرك؟ بكل تأكيد نعم... لماذا تغير الحكم على الحدث نفسه مع تغير الشخص؟! إنها البرمجة التي تحرك مشاعرك وقراراتك... عرفنا الآن كيف يقرأ الإنسان الأحداث من حوله. أما كيف تتم برمجة العقل لدينا، فهذا موضوع معقد، لكن إن أردنا إسقاطه على المشهد الذي بدأنا به المقال، فإن الأمر مرتبط بالمحضن الذي قام بتربية هذا الإنسان وبرمجة عقله اللاواعي قبل العقل الواعي، وطرق برمجة الإنسان كثيرة. غير أنه في هذا الزمن تقوم بعض الجماعات الإسلامية، وعبر محاضنها السرية ومؤسستها التربوية وقنواتها الفضائية، ببرمجة العقول بمنهج التطرف الذي يجعلهم يكرهون كل من يخالفهم، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يستحل دم الإنسان المخالف له دون تردد. لقد تم خطف عقول كثير من الناس اليوم، فتحول الحق عندهم إلى باطل... إنها فتنة لابد من البحث عن مخرج لها، قبل أن تتحول الدول العربية إلى ساحات للصراع الفكري، الذي لا يقدر رأي الآخر، ولا يحترم تفكيره، وستتطور هذه الصراعات الفكرية، إلى حروب أهلية لا يعرف القاتل فيها لِمَ قتل ولا المقتول فيم قُتِل.