رغم استمرار الحرب السورية واشتدادها، ما زال أمام القوى الغربية فرصة لإنهاء الصراع الدموي، وبالقطع لن تتحقق تلك الفرصة من خلال تسليح الثوار، بل تتحقق من خلال تعاون الدول الغربية مع القوى الإقليمية مثل الجامعة العربية من أجل توفير ضمانات أمنية واضحة للأقليات التي تدعم الآن الأسد، فمن شأن ذلك تقويض القاعدة الاجتماعية التي يعتمد عليها النظام والانتقال بالبلد نحو تسوية سياسية للصراع وضمان مجتمع ما بعد الأسد، تتوافر فيه شروط الاندماج والتعايش للجميع. ومن دون ضمانات أمنية تكفل للأقليات السلامة، وتطمئنهم على أنفسهم، فإنه من غير المرجح أن تتخلى هذه الأقليات عن الأسد، لذا يمثل اقتراح إرسال قوات حفظ سلام دولية إلى سوريا، على أن يقودها حلف شمال الأطلسي وتدعمها الجامعة العربية، السبيل الأمثل لحماية الأقليات وإخراج سوريا من حالة الجمود والمراوحة الحالية. فعندما بدأ الصراع في سوريا كان الطابع السياسي هو الغالب، حيث يتقابل نظام قمعي يقاتل من أجل البقاء في السلطة الحفاظ على امتيازاته مع معارضة تسعى لإنهاء ذلك، لكن مع مرور الوقت بدأ الأمر يكتسي صبغة طائفية واضحة، حيث تعرضت مناطق علوية لاستهداف المقاتلين السنة، فشرعت الأقليات التي لا تقتصر على العلويين، بل تمتد إلى المسيحيين وطوائف أخرى، في الوقوف إلى جانب الأسد، وإن كان السبب الرئيس الذي يدفع الأقليات السورية إلى مساندة النظام ليس ولاؤهم للأسد، أو كراهيتهم للسنة، بل الخوف المشروع من البديل. وإدراكاً منها لهذه المخاوف، ضغطت الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي منذ فترة على المعارضة السورية لتقديم ضمانات جدية للعلويين والمسيحيين، ورغم تعهد الائتلاف الوطني السوري بضمان المساواة التامة لجميع المواطنين بصرف النظر عن انتمائهم الديني، إلا أن الائتلاف ما زال متمسكاً بمطلب تفكيك قوات الأمن التابعة للأسد وحل حزب "البعث" الذي يضم حوالي مليوني ونصف مليون سوري، والحال أن هذه الأجندة، إلى جانب أن الائتلاف الوطني السوري لا يحظى بشرعية انتخابية في الداخل، وكونه خاضعاً لسيطرة "الإخوان"، بدل الجماعات العلمانية، يضرب مصداقية الضمانات الأمنية المطلوبة، والنتيجة أن المسيحيين والعلويين يتوجسون من أنهم سيتعرضون للانتقام والإقصاء السياسي في سوريا ما بعد الأسد، وهو ما يفسر إلى حد كبير استطالة الصراع في سوريا. فالنهج الغربي الحالي القائم على دعم غير مشروط للمعارضة السورية على أمل أن تحترم قواعد الديمقراطية لن يساهم في تبديد مخاوف الأقليات، بل قد يحشرهم في زاوية ضيقة يلجؤون معها إلى استخدام السلاح الكيماوي للبقاء على قيد الحياة، ورغم فشل تجارب سابقة في حفظ السلام مثلما جرى في الحرب الأهلية اللبنانية بعد سحب القوات الدولية، فإن هناك أيضاً دروساً جيدة على غرار ما حدث في البوسنة وكوسوفو، حيث أثبت قوات حفظ السلام الدولية فعاليتها، ليبقى السؤال ما إذا كان القادة الدوليون، لا سميا في الغرب، مستعدين للانخراط في مهمة أخرى بالشرق الأوسط، وفي جميع الأحوال ومن أجل حقن الدماء في سوريا ومنع انتقال الأزمة إلى دولة المنطقة وزعزعة استقرارها دعونا نأمل أن يتحرك الغرب لتطبيق مهمة حفظ السلام في سوريا. _ _ _ _ _ _ _ _ تورسون جانوس أستاذ الاقتصاد بجامعة وايومنج الأميركية هيلينن مالفيج باحثة في المركز الدنماركي للدراسات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"