هذه الأيام، وقد مر زمن طويل نسبياً منذ نشوب الحرب الأهلية السورية، تتجلى الحقائق الصعبة الواحدة منها تلو الأخرى سواء بالنسبة للثوار أو للنظام الحاكم. وإحدى تلك الحقائق المرة هي أن العنف من جانب الثوار أو استخدام الوسائل القمعية من قبل النظام لم يحل المشكلة أو يعيد الهدوء إلى المدن السورية، فالنظام بإرساله الجيش العرمرم إلى شوارع المدن أعتقد بأنه سيقضي سريعاً على الثورة، لكن هذا الاعتقاد خاطئ لأن القضاء على الثورة بالقوة لم يحدث. والحقيقة الثانية أن حزب "البعث" لا يزال يحتفظ بالسلطة وقابع فيها ويسيطر على الدولة والمجتمع، وكأن شيئاً لم يحدث. والحقيقة الثالثة، أن المعارضة التي تطمح في إسقاط النظام ظهرت وهي ضعيفة جداً ومفككة وغير قادرة على الفعل وردة الفعل الحقيقيين، فتصوراتها الحالية المكونة من معارضين يعيش معظمهم خارج سوريا لا تستطيع إدارة حكومة انتقالية، وقيادتها تتضمن مفكرين وأدباء وأساتذة جامعات ومنظرين ووجهاء مجتمع، لكنهم ليسوا بسياسيين محنكين أو أن السياسة قد صقلتهم، فهم لم يمارسوها فعلا. المعارضة السورية منقسمة وفقا لشرائح تتكون من كبار السن في مقابل الشباب، والعلمانيين في مقابل الإسلاميين، وأولئك الذين يعيشون في خارج سوريا في مقابل الذين يعيون في داخلها، والمسيسون في مقابل الذين لا يفقهون في السياسة شيئاً، والمقاتلين في الجيش "الحر" وجبهة النصرة في مقابل المدنيين المسالمين الذين اشعلوا الثورة بعفوية في بادئ الأمر. وفوق كل ذلك أن من يوصفون بقادة المعارضة لا يملكون حقيقة من أمر الشارع والمجتمع السوري شيئاً، لا النفوذ ولا السيطرة. وثالثة الأثافي أن قادة المعارضة مختلفون فيما بينهم منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة عام 2011 ، فالجيل الأصغر سناً الذي يعيش في الخارج أكثر ارتباطاً بالإنترنت، وتركيبته متنوعة ويعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل الآراء والمعلومات وتحريك الأمور، وهو أكثر جاذبية لأقرانه في الداخل لأنه يتحدث بلغة يفهمونها بوضوح. إن هؤلاء القادة يعتمدون بكثافة على "فيسبوك" و"تويتر" ويعيش أغلبهم في دول الغرب، وهؤلاء أكثر راديكالية من القادة كبار السن، وهم متأثرون بما فعله ويفعله الثوار في الدول العربية الأخرى. ويتكون المعارضون العلمانيون من اليساريين والبعثيين المنشقين المنتمين إلى الأجيال القديمة، ويقع ضمنهم عدد من الشخصيات المرموقة على الصعيد العالمي كمفكرين ورجال أعمال وأساتذة جامعات . أما المعارضون الإسلاميون فهم أكثر ارتباطاً بـ"الإخوان المسلمين"، وهؤلاء بالإضافة إلى الإسلام السياسي ذاته، آخذين في أن يصبحوا أكثر شعبية في الداخل السوري. وبعد مرور الوقت منذ 2011 يقر العديد من قادة المعارضة سواء كانوا في الداخل أو الخارج بأن النظام أثبت بأنه أقوى كثيرا مما كانوا يعتقدون، فعندما انطلقت شرارة الثورة الأولى كانوا يأملون بأن ينهار النظام سريعاً كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، لكن ذلك لم يحدث، وتبقى الأمور السورية إلى الآن معقدة، ويبدو بأن العنف الحاصل حاليا لن يحلها، ولن تهدأ الأوضاع إلا بوجود حل سلمي رغم أن جراح الشعب السوري أصبحت مثخونة جداً، وما يدفعه من دم أبنائه وماله وبنية وطنه التحتية باهظ الثمن جدا وليس من السهل التغاضي عنه أو نسيانه. خلاصة القول هي أنك أفدت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.