الفوز الكاسح الذي حققه «الحزب الليبرالي الديمقراطي»، الذي يقوده رئيس الوزراء الياباني الحالي «شينزو آبي»، في انتخابات الغرفة العليا (مجلس الشيوخ) في البرلمان الياباني الأحد الماضي، أثار سؤالاً فورياً: هل سيؤدي هذا الفوز لتشجيع «آبي» على الاتجاه نحو اتباع سياسات ذات نزعة قومية متصاعدة، قد تؤدي لإبعاد اليابان عن جيرانها أكثر مما هي عليه الآن؟ من المعروف أن حزب «آبي» يسعى لمراجعة الدستور الياباني، كي يسمح بإنشاء جيش كامل المواصفات، وأن «آبي» حرص في الفترة التي سبقت الانتخابات على الظهور في مواقع عسكرية كي يجتذب أكبر عدد من الأصوات. لكن استطلاعات الرأي التي أجريت حول الانتخابات اليابانية، أرجعت الفوز الذي حققه «آبي» إلى الوعد الرئيسي في حملته الانتخابية، وهو الاستمرار في تحسين أوضاع الاقتصاد الياباني. بيد أن الشيء الذي لا يقل أهمية عن ذلك، هو أن على «آبي» أن يتوقع ردة فعل سلبية من الناخبين إذا ما مضى أكثر من اللازم تجاه الإساءة لجيران اليابان. قد لا نضطر للانتظار طويلاً لمعرفة نبرة الصوت التي يود «آبي» استخدامها في كلماته وخُطبه. ففي الرابع من أغسطس القادم تحل الذكرى العشرون لتوقيع اليابان على «بيان كونو» الذي اعتذرت فيه رسمياً عن قيام جيشها باستغلال «نساء المتعة»، أي النساء اللائي كن يرغمهن على ممارسة الجنس قسراً أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي الخامس من أغسطس سوف تحل أيضاً الذكرى الثامنة والستون لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، وهي مناسبة يتوقع أن يزور فيها بعض كبار المسؤولين اليابانيين مزار «ياسوكوني» الذي يخلّد ذكرى قتلى اليابان في الحرب العالمية الثانية، ومنهم بعض مجرمي الحرب. والطريقة التي سيحتفل بها «آبي» بتينك المناسبتين، سيتم تأمّلها بإمعان من قبل الصين وكوريا الجنوبية اللتين ستعتبرانها معياراً دالاً على استمرار «آبي» أو عدم استمراره في مواقفه التي اتخذها في الماضي حيال موضوع «نساء المتعة» حين أنكر وجود تلك الظاهرة، وكذلك فظائع الحرب، بما يعدّ معياراً دالاً على مواقفه المستقبلية المحتملة تجاه جيرانه. وإذا ما أنكر «آبي»، وغيره من المسؤولين، فظائع الحرب أو حاولوا تبريرها فمن الواجب على الناخبين، وعلى الساسة اليابانيين عموماً، التنصل من تلك المواقف، كما فعلوا مع عمدة «أوزاكا» الذي كان قد أدلى بتصريح برر فيه استغلال «نساء المتعة»، على أساس أن ذلك كان ضرورياً للمحافظة على انضباط الجيش الياباني. وأثارت تلك التصريحات ضجة عالمية ووصفت مجموعة نسائية من أحزاب متعددة في البرلمان ذلك العمدة (هاشيموتو) بأنه «عار على أوزاكا»، كما هجره حلفاؤه السياسيون. وعندما حاول التراجع عن أقواله لم يجْده ذلك نفعاً، حيث كانت أجهزة الإعلام قد حكمت بإعدامه سياسياً مما انعكس على أداء حزبه وعرّضه لهزيمة قاسية في الانتخابات البلدية والبرلمانية. وعلى جيران اليابان من جانبهم إدراك حقيقة أن اليابان أمة لديها روايات مختلفة حول التاريخ، ومثلما أن هناك قوميين ينكرون فظائع ذلك التاريخ وخطاياه، هناك أيضاً العديد من المحافظين، والمعتدلين، والليبراليين، والعلماء، والصحفيين، والفنانين، والكتاب، وصناع الأفلام... الذين كرسوا حياتهم المهنية لتعزيز الحقيقة التاريخية ومحاربة التغطية على فظائع الحرب في المناهج الدراسية اليابانية. ------- جينيفر ليند نيوهامبشر - الولايات المتحدة ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»