من أنفع الأدوية الربانية التي وصفها الله سبحانه لعباده وحثهم على المداومة عليها «الدعاء»، والذي قال عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم إنه «مخ العبادة». والدعاء مدخل واسع لفتح أبواب الخير والرحمة والسعادة أمام العباد وتثبيتهم عند المحن والشدائد والأحزان التي يتعرض لها العبد في هذه الدنيا الفانية، وهو من صفات أهل الجنة، يرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله، حيث يناجي العبد من خلاله رب العباد ومَن لديه القدرة على أن يقول لشيء كن فيكون. يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: عندما ذهبت إلى الجزائر، بعد الاستقلال، رئيساً لبعثة التعريب الأزهرية، كان هواري بومدين قد انتهى من بناء «سد غرين» وذهب لافتتاحه، وحضرنا الاحتفال، ووقف الرئيس بومدين يخطب ويقول: «الحمد لله... عملنا «سد غرين»، وهذا السد سيحجز كذا متر مكعب من المياه، وبذلك يمكنكم أن تقوموا بري زراعاتكم سواء أمطرت السماء أم لم تمطر. ويضيف الشعرواي: لم تعجبني عبارة «سواء أمطرت السماء أم لم تمطر»، فقلت لبوتفليقة وزير الخارجية في حينه: قل للرئيس إن هذا الكلام خطأ، ليس فقط من الناحية العقائدية إذ يلغي المشيئة، بل أيضاً من الناحية العلمية لأنه إذا لم تمطر السماء فلن يوجد ماء ليحجزه السد. وذهب بوتفليقة وأبلغ الكلام للرئيس، وشاء الله بعد أسابيع أن يحصل جفاف، قلّما حصل مثله. قالوا: فلنصلِّ صلاة الاستسقاء، وقد استقبل الناس الدعوة لصلاة الاستسقاء على نحوين: المتدينون المؤمنون كانوا يأملون منها وينظرون إليها باعتبارها من نسك الدين وأن الله سبحانه وتعالى شرعها لوقف مثل هذا الفزع، أما الآخرون من أصحاب الثقافات غير الدينية فقالوا في استهزاء: اعملوا صلاة الاستسقاء وشوفوا حتعمل إيه الصلاة بتاعتكم؟ ولما أبلغوني أن بومدين يريد إقامة صلاة الاستسقاء في الجامع الكبير بعد يومين... قلت لزميلي الشيخ أبو الصفا: احنا واقعين في مطب... وربنا يخرجنا منه على خير ولن يخرجنا من ذلك إلا بأن نفزع إليه من هذه اللحظة، وأن نصلي لله ونطلب منه ألا يفضح أهل دينه أمام هؤلاء الذين لا يعرفون كيف ينظرون إلى دين الله. ويتابع الشعراوي: وجاء يوم صلاة الاستسقاء وجلسنا في الجامع الكبير ننتظر حضور بومدين، فدخل الرئيس المسجد وقبل أن يهم بالجلوس قلت لوزير الأوقاف: قل للرئيس أن يصلي ركعتين تحية للمسجد، وأضفت: احنا جايين هنا نشحت من ربنا ونقول: يارب، نفزع إليك. وذهب الوزير للرئيس وأبلغه الرسالة، فوقف وصلّى ركعتين، ثم صلّينا صلاة الاستسقاء وجلسنا ساكتين وطالت الجلسة وطال السكوت، فقلت لأحد المشايخ الجالسين إلى جانبي: احنا قاعدين كده ليه دلوقت؟ مش تقوموا تروحوا؟ فقال: اسكت! قلت له: فيه إيه؟ قال: انت موش داري؟ الدنيا بتمطر، فقلت: صحيح؟ قال: أيوه، وراحوا علشان يجيبوا مظلة لكي يخرج بها الرئيس بومدين، فقلت: الحمدلله الحمدلله، لن أخرج من هنا إلا بعد صلاة المغرب... الحمدلله ربنا سترها معانا. هكذا يستجيب الله سبحانه وتعالى لدعاء ورجاء الناس الصالحين حيث يقول في كتابه الكريم: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم»، فالدعاء -كما يقول ابن القيم- من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض، وهو من أعظم ما يزيد لذة الإيمان في القلب، لأنه ركن قوي في طريق سعي العبد إلى القرب من الله تعالى.