على مدى سنوات عديدة، حثت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الاتحادَ الأوروبي على وضع «حزب الله» اللبناني على قائمته للمنظمات الإرهابية. وعلى مدى سنوات، قاوم الاتحاد الأوروبي هذه الدعوة وظل يؤجل اتخاذ قراره في هذا الخصوص. غير أنه عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف في الثامن عشر من يوليو 2012 حافلة تقل سياحاً إسرائيليين في مدينة بورجاس في بلغاريا، والذي نسب وفقاً لآخر التحقيقات إلى «حزب الله»، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه تحت ضغط كبير ليعيد النظر في مواقفه السابقة وسياسته الخاصة بهذا الموضوع. وأخيراً، في الثاني والعشرين من يوليو 2013، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرون، على قرار يضع الجناح العسكري لـ«حزب الله» على قائمة المنظمات الإرهابية. ومن الناحية النظرية على الأقل، فإن ذلك يعني أن أعضاء الجناح العسكري للحزب لم يعد باستطاعتهم الحصول على تأشيرات للسفر إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وأن ودائعهم المالية في بنوك أوروبا يمكن أن تتعرض للتجميد. غير أن التأثير العملي لذلك القرار، أي نتائجه على صعيد الواقع الحقيقي، تبقى أقل أهمية من رمزيته السياسية والمعنوية. ذلك أنه بالنظر إلى أن الجناح السياسي لـ«حزب الله» لم يوضع على قائمة الإرهاب، فقد وافق الاتحاد الأوروبي على مواصلة الحوار معه، ونظراً إلى أن التمييز بين جناحي الحزب، السياسي والعسكري، يكاد يكون مستحيلا، فإنه لن يكون ثمة أي تجميد للعلاقات. لكن حقيقة أن ثمانية وعشرين بلداً استطاعوا الاتفاق على ما كان يشكل بالأمس القريب موضوعاً سياسياً مثيراً للجدل، تُظهر إلى أي مدى أصبح «حزب الله» مفتقداً للشعبية في هذه البلدان. والواقع أن أسباب ذلك القرار الأوروبي، تتجاوز بكثير الضغط الأميركي والإسرائيلي وتتعلق بشكل رئيسي بقلق أوروبا الكبير بشأن دعم «حزب الله» العسكري لنظام الرئيس السوري الأسد، وتتصل على نحو ما بعلاقة الحزب بمسلسل إراقة الدماء المستمر في الحرب الأهلية السورية. ومما لا شك فيه أن هذا القرار الأوروبي سيساهم في تأجيج التوترات داخل لبنان أكثر من ذي قبل، وهي توترات بدأت منذ بعض الوقت تفرز زيادة في أعمال العنف داخل بلاد الأرز، وذلك في وقت تبدو فيه مجموعات مناوئة لـ«حزب الله» أكثر تصميماً على معاقبة زعيم الحزب، «حسن نصرالله»، لأنه قام بجرّ لبنان عميقاً إلى داخل المستنقع السوري. وهكذا، فقد سُجل استهداف سيارات مفخخة ومحاولات اغتيال وهجمات بواسطة القذائف... لمعاقل «حزب الله» في جنوب لبنان خلال الأشهر القليلة الماضية. والواقع أن هذا مختلف كلياً عن الأيام التي كان يحظى فيها الحزب بالتقدير والاحترام من جانب البعض، خاصة من جانب من يعتبرونه المؤسسة الوحيدة في لبنان التي كانت مستعدة للقتال من أجل تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي. لكن المواقف من «حزب الله» أخذت تتغير منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في بيروت في فبراير 2005، وهو عمل يُعتقد أنه نُفّذ من قبل عملاء تابعين لـ«حزب الله» بتواطؤ مع أجهزة الاستخبارات السورية العاملة حينها في لبنان. وبعد عام على ذلك الحدث، أي في يوليو 2006، منيت هالة «حزب الله» وشعبيته بانتكاسة قوية أخرى عندما أشعل حرباً مدمرة مع إسرائيل أدت إلى تكبد كل الاقتصاد والبنية التحتية اللبنانيين لأضرار بالغة. غير أنه على الرغم من هذه الصدمة، إلا أن حقيقة أن «حزب الله» كان يقدم الدماء لمحاربة الإسرائيليين، ما زالت تبرر بعض الاحترام له من جانب البعض. ثم أصبح «حزب الله» لاعباً مهيمناً في الحكومة اللبنانية. غير أن الحرب الأهلية السورية غيَّرت كل شيء في مسار الأحداث من حوله. وطالما لم تضع تلك الحرب أوزارها، ويتوصل فرقاء النزاع فيها إلى تسوية مستقرة، فإن امتدادها إلى لبنان سيستمر في مفاقمة خطوط العداء بين الطوائف المنقسمة أصلا في بلاد الأرز. ومن بين التأثيرات المترتبة على قرار الاتحاد الأوروبي فيما يخص «حزب الله»، أنه سيصبح من الصعب جداً على الجناح غير العسكري لهذا التنظيم أن ينشط سياسياً في أوروبا، وذلك نظراً لأنه سيكون تحت مراقبة قوات الأمن الأوروبية التي تدرك أن التمييز العملي بين الجناحين العسكري وغير العسكري لـ«حزب الله» غير واضح تماماً. وهذا بدوره سيجعل من الصعب على «حزب الله» استعمال أوروبا كمصدر لجمع التبرعات وغسل الأموال من أجل عمليات إرهابية ضد الإسرائيليين وأهداف أخرى تزور أوروبا. وفي وقت يجد فيه «حزب الله» نفسه أكثر عزلة وأكثر ارتباطاً بنظامي سوريا وإيران، فإنه سيصبح من المستحيل على زعمائه أن يدّعوا أن عملياته تصب في مصلحة كل اللبنانيين. وهذا الأمر سيمنحهم على الأرجح الكثير ليفكروا بشأنه: ذلك أنه إذا كانوا يستطيعون الظهور بمظهر الحزب الوطني الشجاع المستعد للذود عن حياض الوطن، فإن حقيقة أن 28 بلداً أوروبياً اتفقوا على اتخاذ هذا القرار في حقهم بالإجماع، سيكون لها تأثير على كل من مكانتهم، احترامهم، وقدراتهم التنفيذية، في الحاضر وفي المستقبل.