يتصاعد الاهتمام بضرورة المضي في مواصلة الحوارات التي فرضت نفسها بقوة إزاء دور الثقافة والهيئات البحثية ووسائل الإعلام في إشاعة روح التفاهم والاعتدال بين الناس، ولاسيما فيما يرتبط بالقضايا التي يختلفون حول تفسيرها. ويوماً بعد يوم، يواجه الباحثون في مراكز البحوث والعاملون في حقل الإعلام تحديات عصيبة، ولاسيما في ظل معطيات الأوضاع الراهنة المأزومة في عدة بلدان عربية وإسلامية، يشهد بعضها غلوّاً في الرأي وتطرفاً كبيراً في الانحياز لوجهات نظر تأتي في كثير من الأحيان مُقصية قطاعات كبيرة في المجتمع ومهددة لها. وفي هذا السياق يأتي عكوف الباحثين على قضية «الوسطية الإسلامية» ليثبتوا، مرة تلو أخرى، أنها الأمثل في الحفاظ على السلام الاجتماعي، والأقرب إلى التفاهم المرن والعقلاني حول ما هو أجدى وأنفع في أمور الدين والدنيا. ولقد اتسمت مقاربات «الوسطية» لشتى الأمور التي تخص المسلمين والإسلام، بل وفي كل التشريعات والتفسيرات في الثقافات الإنسانية الأخرى، بقدرتها الفكرية على تعزيز ثقافة متسامحة وهادئة، لطالما أبعدت الناس عن هدم القيم التي ورثوها. ولتحقيق المزيد من الإلمام بالسبل الأنجع للتمسك بتراث الآباء المؤسسين في سعيهم لحفظ البلاد بعيداً عن مخاطر الانزلاق في تيارات الأهواء الغريبة المتطرفة، واستكمالاً لتحقيق طرح رؤيته البحثية الأساسية في إطار توجيهات القيادة الرشيدة للدولة، دعا مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عدداً من المفكرين والكتاب والأكاديميين إلى خيمته الرمضانية العامرة، لتسليط الضوء على قضايا فكرية مهمة، كان من أبرزها «الوسطية والإسلام السياسي». فوقف الحاضرون على حقائق التناقض الصارخ بين ما عهدوه في الإسلام الصحيح وبين ما تبشر به الحركات المتطرفة، بكل ما تحمل من تفسيرات خاطئة تضعها في تعارض واضح مع ما يدعو إليه الدين الحنيف. وحِرْصُ «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» على تخصيص حيز معتبر من بحوثه ومؤتمراته لمناقشة قضايا «الوسطية» ليس بجديد، بل أتى دائماً معبّراً عن الروح العامة والمزاج الاجتماعي المشترك، الرافضيْن لأفكار التشدد والتطرف، أياً كانت؛ ولاسيما في ظل ما شهدته، وما زالت تشهده، مناطق في العالم العربي من تحولات عاصفة صعدت فيها إلى مقدمة مسرح الأحداث تيارات متشددة في توجهاتها وأحكامها. ومن تلك الجهود البارزة المؤثرة، مؤتمر «مستقبل الثقافة العربية الإسلامية الوسطية»، الذي نظمه المركز في مقره بأبوظبي في مايو الماضي، وشاركت فيه نخبة من المفكرين والباحثين؛ وجاء في حديث مديره العام سعادة الدكتور جمال سند السويدي أنه «من البديهي أن يكون لتحولات كهذه آثار ونتائج نوعية تستحق بحثاً ودراسة عميقين»، مؤكداً أن «الثقافة الإسلامية الوسطية تعيش أزمة حقيقية وسط هذا الطوفان من التشدد والتطرف الأيديولوجي، وليس هناك من مخرج أو بديل سوى دعم هذه الثقافة ومساندتها»، وداعياً إلى المحافظة على أجيالنا من «تغلغل فكر التشدد والتطرف إلى الأفئدة والعقول، سواء عبر المنابر الدعوية والمنافذ الإعلامية، أو من خلال مناهج تعليمية تسعى هذه الجماعات إلى تغييرها في بعض الدول العربية بما يتوافق مع أهوائها وفكرها».