لعلنا لا نجانب الصواب إنْ وصفنا دولة الإمارات بـ«البوتقة» التي تنصهر فيها عناصر التنوع الثقافي، حيث يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، وهي تعد بذلك واحدة من أكثر بلدان العالم احتفاء بالتعدد الثقافي. ولا شك في أن العولمة عادت على مجتمع أبوظبي بالكثير من الإيجابيات، من أبرزها هذا التقدم الملموس في مختلف أوجه الحياة. غير أن للعولمة مخاطر لا يستهان بها، ولعل من أهمها ما تشكله من تهديد للهوية الثقافية التي يعتز بها أهل الإمارات. هذا الكم الهائل من تأثير الثقافات الأخرى ينطوي على تهديد للهوية العربية الإسلامية. وغني عن القول إن حجم الوافدين المقيمين في الدولة قد أخلَّ بالتوازن الديمغرافي، حيث بات المواطنون يشكلون أقلية في وطنهم بالمقارنة مع الوافدين، ولا يخفى ما يحمله هذا الوضع من مخاطر تهدد الهوية الثقافية للإماراتيين. ولمجابهة هذه التهديدات، لا بد لنا من جهد دؤوب لحماية قيمنا وعاداتنا ولغتنا وشخصيتنا الوطنية، وهو جهد لا غنى عنه إنْ كنا نريد المحافظة على تقاليد هذا الوطن وهويته الوطنية وإبقاءها حية يتناقلها أبناؤنا جيلاً بعد جيل. لقد اختطت دولة الإمارات، في سعيها لتأسيس أركان اقتصاد مستدام قائم على المعرفة، نهجاً تنموياً يقوم على الارتقاء بقدرات مواطنيها، بحيث يصبحوا أفراداً على قدر عالٍ من الثقافة والمهارة. وقد تأسس هذا النهج على قناعة مفادها أن تأهيل المواطنين للمستقبل يتطلب التركيز على تطوير "الفرد الشامل" – من الخطوات الأولى حتى التقاعد بل وما بعد التقاعد. ونحن كتربويين ينبغي أن نضطلع بدور مركزي في حماية تراثنا الوطني وتعزيز هويتنا وثقافتنا وشخصيتنا الوطنية. لقد كان من بين المآخذ على المدارس الخاصة في دولة الإمارات أنها لا تولي اهتماماً كافياً بالجانب الثقافي من العملية التربوية. وقد وضعنا ذلك في اعتبارنا، حيث كان على رأس أولوياتنا توفير بيئة مثالية يستطيع فيها الطلاب النهل من تعليم متكامل يستوفي أفضل المعايير العالمية في مجال التعليم، ويلبي في الوقت ذاته احتياجات الطلاب الذين يعيشون في دولة الإمارات. وقد استدعى ذلك بطبيعة الحال التركيز على عناصر التميز الثقافي لدولة الإمارات. يحظى طلابنا ببرنامج لتدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية يجمع ما بين التنوع والابتكار والحيوية. ولقد برزت في السنوات القليلة الماضية الحاجة إلى تطوير تدريس تاريخ دولة الإمارات في المدارس الحكومية والخاصة حرصاً على إحاطة أبنائنا علماً بالأحداث التاريخية التي شهدتها هذه البلاد، وكيف استطاعت الأجيال السابقة التكيف مع تحديات الحياة. وكما يقول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه: "إنني أومن بأن من لا يعرف ماضيه فهو حتماً لا يعرف حاضره وأن الشعب الذي لا يعرف ماضيه لا حاضر له ولا مستقبل." وكان من الطبيعي أن نهتم اهتماماً عظيماً بتدريس اللغة العربية. ومع الإقرار بأهمية اللغة الإنجليزية وشيوع استخدامها في مؤسسات التعليم الخاصة، فإننا ندرك أن اللغة هي أحد صمامات الأمان للثقافة الوطنية ولهذا آلينا على أنفسنا وضع برامج رائدة في تعليم اللغة العربية تسهم في هذه الأهداف النبيلة. في الشهر الماضي تم تنظيم مؤتمر حول اللغة العربية، تحت شعار "لغتي هويتي"، وقد حظي المؤتمر برعاية كريمة من سمو الشيخة اليازية بنت سيف بن محمد آل نهيان، وبمشاركة مقدرة من مجلس أبوظبي للتعليم، بالتعاون مع كامبردج للتعليم و"موت مكدونالد المحدودة". وقد كان فرصة طيبة للالتقاء بنخبة من الخبراء التربويين، وتبادل أفضل الممارسات وتقييم الأساليب المبتكرة في تعليم وتعلم اللغة العربية. ومن الضروري تفعيل برنامج تعليم اللغة العربية، القائمة على تطبيق مجموعة من المبادرات على نحو يكفل مشاركة الطلاب في مختلف مستوياتهم وإقبالهم. ولم تتوقف المبادرات في حدود المدارس بل تتجاوزها إلى المجتمع العريض. فقد بادرت إحدى المدارس، على سبيل المثال، خلال النصف الأول من العام، بعقد دروس مجانية في اللغة العربية للمتحدثين بها ولغيرهم. وقد عقدت الدروس على فترتين في اليوم، ثلاثة أيام في الأسبوع على مدى ثلاثة أسابيع، وكانت مفتوحة للجمهور. ومن الضروري أيضاً المحافظة على علاقات طيبة مع أولياء أمور الطلاب والمجتمعات التي نخدمها، وذلك انطلاقاً من حرصنا على تهيئة البيئة المثالية للطلاب بمختلف خلفياتهم الثقافية لتحقيق طموحاتهم والشعور بالانتماء إلى مدرستهم، ولذا من المهم التواصل مع أولياء الأمور الذين يجدون الأبواب مفتوحة لهم على الدوام للتفاكر مع المعلمين حول أداء أبنائهم. نحن نشعر بالفخر لمساهمتنا في مسؤولية تعليم وتهيئة قادة المستقبل، وندرك أن تحقيق ذلك الهدف يتطلب منا كتربويين أكثر من مجرد تحديد الهدف لأبنائنا، إذ لا بد من تزويدهم بأسس وركائز المعرفة، ومن أهمها الثقافة والوعي بالهوية الوطنية. ------ محمد خليفة المبارك رئيس مجلس إدارة أكاديميات الدار