تعرّضت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى هجمات متنوعة ومتعددة من الشرق والغرب! وتضررت كثيراً- نظراً لسياستها الانفتاحية وحرصها على دعم الصف العربي ومساندتها للشعوب المتطلعة للحرية والكرامة - وما زالت. كما أن طبيعة الشارع العربي- الذي لا يحكمه في كثير من الأحيان العقلاء - مُستَفز وقابل للانفجار وساعٍ لتصديق أية إشارات أو تلميحات، أو تفسيرات للنَيل من دول مجلس التعاون - على الرغم من كل المواقف والمساعدات التي تقدّمها هذه الدول تجاه الدول العربية الشقيقة، وتلك غير العربية؛ انطلاقاً من روح المسؤولية وسعياً للحفاظ على علاقات طبيعية مع تلك الدول الشعوب، ولسنا بحاجة للتذكير بما حدث إبان الغزو العراقي لدولة الكويت، حيث قلبَ العديدُ من الدول "الشقيقة" ظهرَ المِجّن لدول التعاون! ولكن وللأسف، تَظهر هذه الأيام أقلام وفضائيات تصّور المساعدات الخليجية للدول العربية الشقيقة على أنها "شراء" مواقف، وشراء "ذمم" وتحويل الأنظار عن حقيقة المواقف، لقد بذلت دول التعاون جهوداً مضنية لرأب الصدع العربي ووحدة وأمن البلدان العربية، كما حصل مع لبنان واليمن والسودان وليبيا وتونس ومصر وسوريا والأردن وغيرها! وكان الهدف دعم استقرار وكرامة تلك الشعوب، ولكن للأسف، خرج البعض عن رزانة العقل ووجّه َالاتهامات لدول المجلس على أنها تؤجج بعض الصراعات هنا وهناك، بل إن المساعدات البليونية التي قُدّمت لبعض الدول صوّرها كتابُها على أنها قُدّمت لدعم الأنظمة وليس للشعوب، علماً بأن تلك المساعدات لا تذهب إلا للبنك المركزي وما شابهه، ولا تُدفع لأفراد معينين. في الوقت ذاته؛ ما زالت بعض بلدان التعاون تطوّر بناها التحتية، وهي حتماً بحاجة لتلك الأموال، لولا غلبة العقل، والشعور بحتمية المصير العربي. ولقد برزت اتجاهات شعبية في منطقة الخليج بضرورة مراجعة ذاك "الصرف السخي"، الذي لا يؤتي ثماره، كما حصل مع أكثر من بلد عربي! الموقف الثاني وهو متعلق بالأمن الاجتماعي والفكري؛ وهو حقيقة ما يجري في المساجد وعلى الشاشات وفي المدارس والمناظرات، من دخول مكثّف لبعض "الدعاة" المتوترين إلى الدائرة السياسية، ومحاولتهم ترويج بعض الأفكار التي لا تخدم شعوب دول التعاون، ومنها التصريحات والإشارات السياسية التي تتعارض مع سياسات دول التعاون، التي لجأ إليها هؤلاء الدعاة، بعد أن طالهم الضيمُ والعَسفُ في بلدانهم وتفرقوا في الشتات بحثاً عن ملاجئ، بل إن بعضهم تم طرده من أكثرمن بلد عربي، وما زال يمارس بثَّ الكراهية واستخدام الكلمات النابية والسخرية من غيره بلا مبرر. وتلك مخالفة يُحاسب عليها القانون بحكم أنها (تعكّر صفو العلاقات بين الدولة والبلاد العربية)، ناهيك عن أن ما يصدر أيضاً من كلمات "بذيئة" و"قذف" وتحقير علماء دين لهم مراكزهم الدينية في العالم الإسلامي، وهي أيضاً مخالفة تقترب مما (يتنافى مع الأخلاق أو يتضمن خدشاً للآداب العامة أو يمسَّ كرامة الأشخاص)؟ وهذا أيضاً يُعاقب عليه القانون، ذلك أن من شأن تلك الكلمات التي تستخدِم "لغة القذف" بحق آخرين تؤجج المشاعر وتفتُّ في عَضد الأمة وتحوّر المقاصد العليا لسمو الوعظ ونبل الدعوة. بإمكان أي مسؤول أن يشاهد (اليوتيوب) لبعض أولئك الدعاة الذين لا يجوز لهم شرعاً أن يتفوهوا بتلك الكلمات النابية والخارجة على الذوق وكرامة الناس وهم يقومون بدور الواعظين لشبابنا، ويساندهم في ذلك الإعلام المحلي، وتُفرد لهم صفحات في الجرائد وهم غير أهلٍ لذلك. دول التعاون بحاجة إلى مراجعة مواقفها من "الوعاظ السياسيين" الذين لجأوا إليها، وبعضهم كان له دور في ترويج أفكار محددة وبعضهم حارب المواطنين المستنيرين- خصوصاً في مجال التعليم أو الجامعات- بدعوى عدم إنخراط هؤلاء المواطنين المؤهلين أكاديمياً وخبراتياً في نفس التوجه الفكري لهؤلاء الوعاظ، ناهيك عن الدور الأهم وهو الوعظ المؤدلج داخل المدارس والجامعات والمساجد والمحاضرات، والذي "يُسفه" آراء كل مسلم يعارض توجه أولئك الوعاظ، وهو اتجاهٌ أحادي النظرة يلغي الفكر الآخر، ويصرُّ على ترويج فكرهِ المحدود، والذي يعتمد الإقصاء والتشنج للرأي والأيديولوجية. والأمر الأخطر للفكر الأحادي هو إشعال الفتنة بين أبناء الخليج وإشغالهم عن قضايا التنمية والتطور باسم الدين! ودعم الاتجاهات المتسرعة والمتشنجة التي ترفض الآخر وتدّعي الكمال، وهذا لا يتناسب مع فكر التنمية، أو يساهم في دعم جهود دول التعاون في الاستفادة من التنمية البشرية، كما ينشر الكراهية والأحقاد بين شعوب الخليج دون مبرر؛ ويلغي تعددية الفكر وانفتاح هذه الدول على العالم. لقد عاش شباب الأمس وآباؤهم في منطقة الخليج في طمأنينة وتناغم مع بعضهم بعضاً، وكانوا يقصدون المسجد للصلاة الخالصة لله من دون أحزاب، ودونما ارتباط مع جهة من الجهات، أوالاستماع إلى ترويجات لفئة إسلامية وتحقير للفئة الأخرى! ومضت الحياة مستقيمة وزادت الإنتاجية وظهر جيل من الشباب الذي تعلم أحسن تعليم، وأدى رسالته في خدمة بلاده. ولم يكن يحتاج إلى "وعظ سياسي" أو استجلاب "دعاة " مُستَفزين وناقمين على حياة أهل الخليج كما نشاهد في (اليوتيوب) هذه الأيام. نحن لا نستبق الأحداث، ولكن ما يجري هذه الأيام يدعونا لأن ندقَّ ناقوس الخطر! فلقد تم تشويه الدين ومقاصده السامية بالأفكار السياسية التي نحن في غنى عنها، وكما بادر مجلس التعاون في اتخاذ مواقف ضد بعض "الجماعات" بعد أن تبين غيّها ونكرت ما قامت به دول التعاون تجاهها، فإن الأمر نفسه يحتاج أن نطرح قضية "الوعاظ السياسيين" المؤدلجين الذين خرجوا عن نقاء الدين والرسالة المحمدية المُوحدة إلى ترويج أفكار جماعة سياسية مُحددة مع إهمال واضح لقيمة الوعظ والدعوة إلى المحبة والتسامح وصفاء القلوب؛ أو التركيز على بث الخلق القويم بين النشء. نقول تحتاج دول التعاون إلى وقفة تقيمية ومراجعة حتمية الآن مع استفحال "الوعظ السياسي"، الذي أخرج الدين عن سموه وأهدافه النبيلة، حتى لا تنفجر الأوضاع وتكون هذه البلدان ضحية حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل.