هل يمكننا للحظة التوقف قليلاً عن استخدام عبارة «اقتصاد لي» نسبة إلى رئيس الوزراء «لي كه تشيانج»، الذي تروج الأقاويل عن رغبته في قلب النموذج الاقتصادي الصيني رأساً على عقب؟ فلحد الآن لم نر ما يشجع على تبني العبارة، أو تشبيهها بتجارب عالمية أخرى مثل «الثاتشرية» و«الريجانية» وغيرها من الوصفات الاقتصادية الناجحة التي أدخلت بالفعل تغييرات كبرى على البلدان التي طُبقت فيها، لا سيما وأن هناك تجارب أخرى أثبتت فشلها مثلما جرى في اليابان عندما احتفى الإعلام والاقتصاديون بنموذج مفترض لإصلاحات اقتصادية أطلقها رئيس الوزراء، «شينزو آبي»، على أن تخرج اليابان من عثرتها وتعيد الألق إلى اقتصادها المتباطئ فقط ليتبين لاحقاً أن الاحتفاء كان متسرعاً وأن الإصلاحات المنشودة لم تنطلق أبداً، ولأن الإصلاحات الاقتصادية تستغرق عادة سنوات حتى يرى المراقبون مفعولها وتأتي بنتائج ملموسة على أرض الواقع، فإنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان رئيس الوزراء الصيني يملك الإرادة السياسية والمهارة اللازمة لوضع الصين على سكة النمو الاقتصادي المستدام الذي يحركه الاستهلاك الداخلي وليس الاستثمار والتصدير، كما هو معمول به حالياً في النموذج الاقتصادي الصيني، ولمعرفة ما إذا كان «لي كه تشيانج» قادراً على السير في هذا الطريق وتثوير الاقتصاد في بلاده علينا مراقبة ثلاثة مؤشرات رئيسية لتدلنا على إمكانية النجاح، أولاً علينا أن نطرح على أنفسنا سؤالاً حول استمرار الحكومة في مساعدة الاقتصاد وضخ الأموال، ذلك أن رغبة «لي» في معالجة اختلالات الاقتصاد الصيني عن طريق الصدمة بوقف الدعم السخي يواجه عدداً من التحديات الكبرى المتمثلة في تباطؤ الاقتصاد الصيني وانخفاض النمو. وبالطبع لا يوجد في الصين من القادة السياسيين من يريد تراجع النمو الذي من شأنه أن يحدثه توقف الدعم الحكومي للشركات التابعة للدولة والاستمرار في سياسة القروض الميسرة التي تحرك النمو، لا سميا في أجواء الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة، هذا بالإضافة إلى ما تحتاجه الإصلاحات الكبرى من بيئة اقتصادية مواتية تتميز بالنمو المرتفع تساعد القائد السياسي على ضبط قاعدته الشعبية وعدم خسارتها. والحال أن الاقتصاد الصيني يعرف انكماشاً واضحاً يعقد عملية الإصلاح، والأكثر من ذلك أن السير على خطوات «التحكم في وتيرة النمو والتركيز أكثر على نوعيته» كما يريد ذلك رئيس الوزراء سيعمق حالة التباطؤ، على الأقل في المدى القريب، ما يثير تساؤلات حول استعداده لدفع الثمن السياسي. والمؤشر الثاني الذي يعتمد عليه نجاح سياسة «لي»، فهو استعداده للسماح بسقوط مدو وكبير لشركة أو شركتين من التي تدعمهم الدولة، فمعروف أن سر تفوق الشركات الصينية هو الدعم الحكومي الكبير الذي تستفيد منه، بالإضافة إلى القروض السهلة والسيولة المتوافرة، ما شجع على ممارسات متهورة أضرت بالشركات أكثر مما نفعتها وجعلتها تتكبد ديوناً ضخمة، وما لم يُسمح لبعض تلك الشركات بإشهار إفلاسها كما يقع في الغرب ستبقى عبئاً ثقيلاً على الدولة ولن تمكنها من مباشرة الإصلاحات الضرورية، أما المؤشر الثالث فمرتبط بالسياسة الداخلية الصعبة وقدرة رئيس الوزراء على إقناع الحزب الشيوعي بنموذجه الاقتصادي، ناهيك عن أصحاب المصالح الذين جمعوا ثروات طائلة في نظام الريع الاقتصادي الحالي وليسوا مستعدين للتخلي عنه اليوم، لذا وقبل الحديث عن نموذج اقتصادي فعال يضع أسسه رئيس الوزراء الصيني لا بد أولًا من اختبار قدرته على النجاح ومنحه مزيداً من الوقت، وإلا فإن التبشير به يظل مجرد فقاعة إعلامية. ويليام بيسيك كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»