كأعضاء في لجنة الاستخبارات والخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، كنا على علم بما يجري في سوريا من فظائع وآلام حتى قبل زيارتنا الأخيرة للمنطقة. لكن قراءة التقارير من واشنطن تختلف كثيراً عن لقاء بعض من مئات الآلاف من المدنيين الذين اضطروا للفرار من منازلهم والبحث عن ملاذ آمن خارج الحدود. فخلال اجتماعاتنا مع هؤلاء سمعنا قصصاً مروعة عن المأساة التي يقاسيها السوريون، وكيف أن أطفالهم ما زالوا يرتجفون عند سماع أصوات مرتفعة، لما تذكرهم به من عنف عاشوه خلال رحلة الفرار. لذا نعتقد أن على الولايات المتحدة أن تتعاون مع شركائها وحلفائها لوقف إراقة الدماء ومساعدة الشعب السوري على تجاوز محنته الراهنة. وفي هذا السياق يتعين إقامة تحالف دولي يعزز القدرات العسكرية والسياسية لمعارضي الأسد، على أن يكونوا من المعتدلين، وذلك بتوفير العتاد والتدريب، بل يتعين على قوى التحالف وضع خطوات ملموسة للضغط عسكرياً على الأسد، بما فيها شن ضربات جوية على مواقع الصواريخ والطيران وباقي الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها النظام لدك المدن والأحياء... هذه الخطوات ستنعش الأمل في إقناع الأسد وداعميه بأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة، وأن الاستمرار في الحرب والخيار العسكري لن يؤدي سوى إلى مزيد من الدمار والخراب. وبالطبع لا أحد، سواء من جهة الحلفاء أو المعارضة السورية نفسها، يريد من أمريكا إرسال جنود إلى سوريا، فذلك لن يساعد المعارضة، كما لن يقبل به الشعب الأميركي. ولا يعني ذلك أننا نستسهل التحديات الكبرى المطروحة أمام الانخراط الأميركي في الأزمة السورية، فوجود قوى مناهضة للأسد لها ارتباطات بتنظيم «القاعدة» يدفعنا لتوخي الحذر وإجراء فحص دقيق للقوى التي تستحق الدعم والمساندة. لكن مهما بلغت هذه الأخطار من جسامة، تبقى كلفة عدم التحرك أكبر بكثير؛ فبقاء نظام الأسد المتحالف مع «حزب الله» وإيران سيدعم قدراتهما في المنطقة ويشجعهما على التجرؤ على أميركا وحلفائها، الأمر الذي لا يصب في مصلحتنا. فلو أن نظام الأسد انتهك جميع الخطوط الحمراء وداس الإجماع الدولي بشأن الأسلحة الكيماوية وأقدم على استخدامها دون عواقب، فذلك يعني أن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى ستكون أقل أمناً، هذا ناهيك عن التأثيرات السلبية لما يجري في سوريا على دول الجوار وتنامي التوتر بين السكان الأكراد والحكومتين التركية والعراقية. وإضافة للكلفة الاستراتيجية والموضوعية لعدم التحرك في الموضوع السوري، هناك الكلفة البشرية الباهظة، ففي حال تواصلت حملة الأسد الشعواء على شعبه واستمر الاستخدام المكثف للأسلحة الثقيلة ضد المدن والبلدات، فسيعني ذلك سقوط المزيد من القتلى واستفحال معاناة السوريين. لذا يمثل التدخل في سوريا ضرورة تخدم مصلحتنا القومية، كما تنسجم مع قيمنا. ومع أن ذكريات العراق ودروسه التي ما زالت ماثلة في أذهان وعقول العديد من الأميركيين لا تشجع على التدخل مرة أخرى في الشرق الأوسط وتدعو أميركا للابتعاد، فإنه لابد من التأكيد على أن الفرق كبير بين تجربة الأمس واليوم. فنحن ما زالنا لا نحبذ التورط في حرب أخرى بالشرق الأوسط تكلف أميركا ما تجرعته في العراق، لكن المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة ستكون على المحك إذا ما استمر الصراع في سوريا دون حل، بحيث ستكون تداعياته واضحة على استقرار المنطقة، وربما يطال الصراع شركاء أساسيين في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل وتركيا والأردن. وإذا كان لنا أن نتعلم درساً من العراق، فلنسلك طريقاً مغايراً وليس الامتناع كلياً عن التدخل. ولتفادي أخطاء العراق، نقترح أولا وقبل كل شيء ضرورة العمل بتعاون كامل مع الحلفاء والشركاء الدوليين، لاسيما الدول العربية والإسلامية، فأي ضربة توجه للأسد يجب أن تكون بتخطيط مع الحلفاء، وهو ما يختلف عن حرب العراق التي لم تحظ بتوافق دولي واسع، وجرت بحملة عسكرية لم تشارك فيها دولة عربية أو إسلامية واحدة. ولا ننسَ أيضاً أن الثورة السورية تحظى بتأييد شعبي كبير، خلافاً لما كان عليه الوضع في العراق الذي لم يشهد انتفاضة من أي نوع طلبت مساعدة أميركا بالتدخل. وفيما اقترن التدخل في العراق بإرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى أرض المعركة، فإننا نعارض في الحالة السورية مثل هذا الخيار، بل نركز على تخطيط دقيق ضمن تحالف واسع يبحث سبل الضغط على نظام الأسد لدفعه نحو المفاوضات لتأمين مرحلة انتقالية سلسلة تتفادى اندلاع صراعات على السلطة بعد أفوله وتحافظ على الاستقرار السياسي في المنطقة. ومع أنه لا وجود لأمثلة تاريخية تشبه الوضع السوري، فإن النموذج الأقرب ليس العراق في 2003، بل البلقان في التسعينيات، حيث كان للتدخل الأميركي المحدود بمساعدة الحلفاء والقوى المحلية دور كبير في تهيئة الظروف المناسبة التي قادت إلى التسوية وإنهاء العنف والتطهير العرقي، مع حماية المصالح الأميركية المهمة، لذا من واجبنا مساعدة الشعب السوري على إنهاء معاناته اليومية بطريقة تنسجم مع مصالحنا وقيمنا على حد سواء. ------- كارل ليفين سيناتور ديمقراطي عن ولاية ميتشجان أونجس كينج سيناتور مستقل عن ولاية ماين -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»