كنا قد تعرضنا في الأسبوع الماضي في هذا المكان لمفهوم العدالة الاجتماعية، وكيف أن تحقيق هذا الهدف الاجتماعي، لابد وأن يتضمن تحقيق العدالة الصحية، من حيث مدى توافر الخدمات الصحية ومستواها النوعي. وأوضحنا أن تحقيق العدالة الصحية يعتمد في بدايته على رفع الظلم والغبن الصحي، الذي يمكن أن يعرّف على أنه الفروق والاختلافات في الحالة الصحية، أو في توزيع المصادر والإمكانات الصحية المتاحة، بين المجموعات، والطوائف، والفئات المختلفة، بناء على الظروف الاجتماعية التي يولد، وينمو، ويعيش، ويعمل فيها الأفراد. وإحدى الفئات أو المجموعات التي تتعرض حالياً للظلم والغبن الصحي، هي فئة الأفراد المعاقين داخل المجتمع. فحسب «تقرير الإعاقة حول العالم» (World Report on Disability)، الصادر مؤخراً عن منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع البنك الدولي، يعاني المصابون بإعاقات من حالة صحية أسوأ، ويحققون مستويات تعليمية وأكاديمية أقل، وتتاح لهم فرص اقتصادية ووظيفية أردأ، وتنتشر بينهم معدلات أعلى من الفقر، مقارنة بأقرانهم الذين لا يعانون من إعاقات داخل نفس المجتمع. وفي ظل هذا التدهور الصحي، والتعليمي، والوظيفي، والمادي، من السهل أن ندرك أن العدالة الاجتماعية مفتقدة بين هذه الفئة المجتمعية. ومما قد يزيد ويضاعف من الظلم الاجتماعي الواقع على كاهل هؤلاء، ترافق الإعاقة بأحد الأسباب الأخرى للظلم الاجتماعي، مثل كونهن نساء، أو ملونين، أو من عرق أو ديانة يختلفان عن عرق أو ديانة الغالبية العظمى داخل المجتمع، وهي ظروف وخصائص معروف عنها تسببها في الوقوع تحت نير الظلم الاجتماعي في مواضع أخرى. ولا يعزى هذا التدهور العام في غالبية نواحي حياة المعاقين إلى الإعاقة بشكل مباشر، بل يرد معظمه إلى قلة وفقدان الخدمات المخصصة للمعاقين، وتعاظم وتكالب العوائق والعراقيل التي يواجهونها بشكل دائم في حياتهم اليومية. ويمكن أيضاً إدراك حجم مشكلة الإعاقة حول العالم، وما ينتج عنها من تبعات اقتصادية واجتماعية وصحية، من حقيقة أن عدد المصابين -بنوع أو آخر من أنواع الإعاقة- يصل حالياً إلى مليار شخص حول العالم، أو واحد من كل سبعة من أفراد الجنس البشري، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. ومن بين هؤلاء، يعاني ما بين 110 إلى 190 مليوناً من إعاقات شديدة وخطيرة. ويتوقع لهذه الأعداد والأرقام أن تتزايد بشكل مطرد خلال الأعوام والعقود القادمة لعدة أسباب؛ منها زيادة متوسط أو مؤمل العمر لأفراد الجنس البشري ضمن الظاهرة المعروفة بشيخوخة المجتمعات، والزيادة الواضحة والمماثلة في مدى انتشار الأمراض غير المعدية المزمنة، بالإضافة إلى تعاظم الإصابات الناتجة عن حوادث الطرق، والعنف السياسي والمجتمعي والعسكري، وزيادة وتيرة الكوارث الطبيعية نتيجة التغيرات المناخية. وللأسف، وكما هو الحال مع العديد من القضايا الصحية الأخرى، تتحمل الفئات الأضعف في المجتمع العبء الأكبر للإعاقات، مثل الأطفال، والنساء، وكبار السن، والفقراء. أما فداحة الغبن الصحي الذي يقع على هذه الطائفة، فيمكن إدراك حجمه هو الآخر من بعض الحقائق، مثل حقيقة أن من بين 70 مليون معاق حول العالم يحتاجون لكرسي متحرك، يحصل فقط ما بين 5 إلى 15 في المئة منهم على وسيلة التنقل هذه. كما أن حجم الإنتاج العالمي الحالي من مساعدات السمع، أو سماعات الأذن، لا يكفي إلا لاحتياجات 10 في المئة فقط من الـ 360 مليوناً المصابين بإعاقات سمعية متوسطة أو شديدة، وتنخفض هذه النسبة إلى 3 في المئة فقط في الدول النامية والفقيرة. وبوجه عام لا يستطيع نصف الأشخاص المعاقين حول العالم، تحمل مصاريف وتكاليف الرعاية الصحية من خلال وثائق التأمين الصحي، وهو ما يعرض هؤلاء لصدمة من النفقات الطبية المفاجئة في مرحلة ما من حياتهم، تدفع بهم وببقية أفراد عائلاتهم إلى الغوص إلى طبقات أعمق من الفقر والعوز. ويتضمن تقرير الإعاقة حول العالم الصادر عن منظمة الصحة العالمية بعض التوصيات الهادفة إلى تغيير هذا الوضع الصعب للمعاقين حول العالم، منها: 1- ضرورة الاستثمار في البرامج والخدمات الموجهة لذوي الإعاقة. 2- تفعيل استراتيجية وطنية، وخطة عمل واضحة المعالم للتعامل مع الجوانب المختلفة للإعاقة داخل المجتمع. 3- ضرورة مشاركة وتفاعل المعاقين في تقييم الوضع الحالي، والتعرف على المشكلات التي يواجهونها، وطرح الحلول. 4- تحسين وتطوير نوعية وحجم المعلومات والبيانات المتوفرة عن أشكال وأنواع الإعاقة المتواجدة داخل المجتمع. 5- دعم ومساندة الأبحاث التي تنتهج نهجاً علمياً في تقييم الوضع، والتعرف على الصعوبات، والخروج بحلول تتوافق مع احتياجات هذه الفئة المتعاظمة داخل المجتمع. غير أن تحقيق هذه التوصيات، وغيرها من الأهداف، لطالما أعاقه عدم إدراك العامة وصانعي القرار لمدى انتشار الإعاقات بين أفراد الجنس البشري، وضخامة عدد من يعانون منها. وهو ما يتضح من حقيقة أن 45 دولة فقط، توجد لديها حالياً قوانين لحماية حقوق المعاقين، وهو ما يعني أن أكثر من ثلثي دول العالم لا توجد لديها مثل هذه القوانين من الأساس، ولكن في ظل التزايد المستمر في أعداد المعاقين حول العالم، وارتفاع وتيرة المطالبة بضمهم تحت مظلة العدالة الاجتماعية، لا يتوقع أن يستمر هذا الوضع لوقت طويل.