لم يتبقّ سوى أيام قليلة ليتسلم حسن روحاني مقاليد السلطة التنفيذية بوصفه رئيساً جديداً لإيران بعد فترتين قضاهما نجاد تكللتا بنجاح وإنجازات قل مثيلها من وجهة نظر مؤيديه، إلى درجة أن قيل إن عودة نجاد الثانية ستكون متزامنة مع عودة المهدي المنتظر، وبين وجهة نظر أخرى تنفست الصعداء بفوز روحاني أملاً أن يكون قد ولَّى زمن الراديكالية والتخبط الإداري ومعاداة الخارج. لقد جاء روحاني بشعار لحكومته متمثل في حكومة التدبير والأمل ليضفي طابع الاعتدال والوسطية، متعهداً بأن تكون حكومته مزيجاً من الأطياف السياسية ومستعينة بالخبرات. فإيران كما يرى روحاني بحاجة للوئام والانسجام والاتحاد لتحقيق تطلعات الشعب الإيراني. والسؤال هنا كيف يمكن لروحاني أن يقود سفينة حكومته وسط أمواج متلاطمة من التباينات الداخلية، وبين عواصف هوجاء جالبة معها العقوبات الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى؟ في الحقيقة أن روحاني لم يكن بعيداً عن تلك الصعوبات التي واجهها الإصلاحيون إبان حكومة خاتمي. فتوجه الإصلاحيين الإقصائي تجاه التيار المحافظ في تلك الفترة، قابلته مؤسسات وسلطات كانت كفيلة بأن تـُـقزم دور السلطتين (التنفيذية- البرلمان السادس) اللتين انطلق منهما الإصلاحيون في سبيل التغيير. فيصبح النهج الإقصائي إذن أقصر الطرق التي من شأنها أن تجعل روحاني وحكومته يدوران في حلقة مفرغة في حال انتهاجه. وفي المقابل تأتي المواءمة والتوافق السبيل الأنجع لتهدئة الأمواج المتلاطمة في الداخل لعبور سفينة روحاني إلى بر الأمان. وتتمثل أهم عناصر المواءمة في البقاء تحت مظلة الولي الفقيه والانصياع للمرشد. ومخطئ من يتوقع أن يكون الانصياع الذي يسعى له المرشد هو أن لا يحرك الرئيس ساكناً سوى بتعليمات المرشد، فالمساحة الكافية التي نالها نجاد خلال فترة رئاسته، خاصة الأولى منها، تؤكد أن المرشد لا يسعى لأن يُلقى عليه اللوم في كل شاردة وواردة. ولم يتم تحجيم دور نجاد سوى بعد تجاوزه الخطوط الحمراء لمجرة النظام الإيراني. والمؤشرات الأولية تؤكد وقوف هذا العنصر المهم في صف روحاني من خلال مباركة المرشد فوزه، ومن ثم استقباله له، ودعوة الجميع للتعاون مع الرئيس المنتخب. كانت لدعوة المرشد هذه أهمية بالغة ليحقق روحاني في سبيل تحقيق المواءمة. وإذا كُنا قد وصفنا روحاني في مقال سابق بأنه «محافظ الانتماء إصلاحي الترشح، في منزلةٍ بين هذا وذاك»، فإن هذه الوسطية لن تغنيه عن دعم المرشد لتوجهاته وتذليل الصعاب أمامه. ويتبقى لروحاني هنا أن يدرك من هي تلك القوى ومراعاة مصالحها ودورها في إيران وتحقيق تلك المواءمة بينها. فإذا كنا نتحدث عن البرلمان الإيراني، فقد جاءت رسائل إيجابية عن طريق لقاء روحاني بعلي لاريجاني رئيس البرلمان وتأكيده على تعاون البرلمان مع الحكومة القادمة. ومن ثم الرسالة التي أكد فيها 225 نائباً بالبرلمان استعدادهم للتعاون مع الرئيس المنتخب حسن روحاني لتحقيق برامجه. وهذا التعاون يجب أن يأتي كما يقول أحد نواب طهران في المجلس وفق انتهاج آلية مناسبة لهذا التعاون والتعامل بين الحكومة والبرلمان. ولا شك أن هذا التصريح ليس بمنأى عما لاقاه البرلمان من مشاكسات نجاد ومحاولاته تخطيه. وبالنظر إلى التيار الأصولي الذي لا يمكن فصله عن البازار، فإن تصريح حبيب الله عسكر أولادي أمين عام حزب المؤتلفة وأمين عام جبهة أتباع خط الإمام والمرشد الذي وصف فيه حسن روحاني بأنه أحد أبناء حزب المؤتلفة والاستعداد للتعاون معه لتخطي المشكلات الاقتصادية، يجعل من مسألة التوافق والمواءمة مع التيار الأصولي أكثر واقعية. كما أن جبهة الثبات الداعمة لنجاد التي يأتي على رأسها مصباح يزدي قد أعلنت مساندتها لروحاني كذلك. كما يأتي لقاء روحاني بعدد من أعضاء مجلس الخبراء وكذلك مجلس صيانة الدستور ليعطي هو الآخر دفعة للرئيس المنتخب لتحقيق برامجه. وعلى الرغم من أن البيانات الصادرة من الحرس الثوري والجيش باستعدادهما للتعاون مع الرئيس المنتخب تؤكد أن هذه السلطات تسير موازية لسلطته، إلا أنها في الوقت ذاته تعد مؤشراً جيداً للرئيس المنتخب. وهذا الأمر لن يمنع من ظهور التصريحات من قبل المسؤولين العسكريين التي قد تأتي مغايرة لتوجهات الحكومة الساعية لتعزيز التعاون مع الخارج. والدليل على ذلك أن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي يسافر إلى قطر بعد تصريحه الذي دعا فيه قطر لإعادة النظر في سياستها، خصوصاً في سوريا، لتهنئة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني،تزامناً مع تصريحات إيرانية أخرى معاكسة، تصريحات لا تأتي دائماً بوصفها تتعارض مع توجهات الحكومة، بل في بعض الأحيان لتحقيق نوع من التوازن حسب مقتضيات مصلحة مجرة النظام الإيراني. ويأتي التساؤل هنا، إذا كان الأمر كذلك مع التيار الأصولي فكيف هو مع التيار الإصلاحي؟ لقد جاء تصريح خاتمي متزناً ومقارباً للواقع حين دعا الشعب إلى عدم الإفراط في التوقعات وانتظار معجزات من حكومة روحاني. وأضاف «علينا ألا نتسرّع، بحيث نضع على (كاهل) الحكومة توقعات في غير محلها. لا نريد من روحاني سوى ما عبّر عنه. ولكننا نتوقع منه متابعة ذلك بجدية، ونريد أن يكون الشعب صبوراً وواقعياً». واعتبر أن الرئيس الناجح هو الذي ينسّق مع المرشد. يأتي هذا التصريح بلاشك مناجياً ليس للإصلاحيين فحسب، وإنما كذلك الأصوات الصامتة التي اندفعت إلى صناديق الاقتراع للتصويت لروحاني رغبة من خاتمي في عدم فقدان ثقة هذه الأصوات والسعي إلى كسب مزيد من الوقت لصالح حسن روحاني. إذن يتضح أن عناصر المواءمة في الداخل التي يسعى روحاني لتحقيقها تبدو مهيأة له لتوظيفها شريطة مراعاة مصالح القوى والبقاء داخل مجرة النظام الإيراني. وتبقى القضايا الاقتصادية من قبيل البطالة والتضخم هي الشغل الشاغل للرئيس المنتخب، وهو أمر لا يقتصر على المواءمة في الداخل فحسب، وإنما على المصالحة مع الخارج للتخلص من العواصف الهوجاء الجالبة للعقوبات الاقتصادية.