دهشت جداً وأنا أطالع مجمل الكتابات التي انهالت بالنقد لدولة الإمارات في صورة بدت وكأنما هذا الإعلام كان ينتظر بفارغ الصبر أيّ فرصة لنفث سمومه، فالحادثة التي شهدتها الدولة بحر الأسبوع الماضي حينما حدث احتكاك مروري بين مدير قسم في إحدى دوائر دبي، وأحد الآسيويين البسطاء، فقام المسؤول بالتعدي على الأخير بالضرب بعقاله، كانت النافذة التي حاول الإعلام الاستهدافي القفز من خلال فتحتها الصغيرة لتوجيه سهامه لكامل الدولة، وكأنما دولة الإمارات وشعبها جميعاً هم من قام بهذا الفعل! وقد تناسى الإعلام المغرض أو على الأقل عمل بقاعدة غضّ الطرف عن ردّة الفعل التاريخية العنيفة التي شكّلت محطة هامة من محطات مواقف الإمارات المشرّفة التي حفلت بها صفحات تاريخها المجيد. فالدولة بمسؤوليها وشعبها سبقت الإعلام الخارجي بردّة فعلها القوية التي قامت بموجبها السلطات العدلية بإيقاف المسؤول عن عمله، وفتح بلاغ ضدّه وتحويله إلى النيابة لإكمال الإجراءات القانونية التي تنظر للقضية من وجهة نظر دستورية لا عاطفية. فما دعا هذا المسؤول للقيام بهذا التّصرّف الذي رفضته الدولة واستنكره الشعب، لم تحاول وسائل الإعلام المغرضة طرقه أو البحث فيه، لكنها ركّزت على ما تريده فقط، وهو رسم صورة مسؤول إماراتي وصفته بـ«الكبير» و«السامي» وغيرها من الألقاب السيادية الكبيرة، لتزعم أن هذا هو الحال عموماً! ورغم ما سطرته سطور التواصل الاجتماعي والصحف وكافة وسائل الإعلام من تعبير مواطني الإمارات بمختلف أطيافهم حول استنكارهم وامتعاضهم مما حدث، ورغم أن الصحف ووسائل الإعلام الرسمية تناولته بإسهاب وركّزت على ردّات الفعل، مؤكدة عفوية وسرعة ذلك الاستنكار، فإن ذلك لم يرد الإعلام المستهدف أن يراه، فهدفه هو النيل من سمعة الإمارات وجعل الحبّة قبّة ضخمة. والمتتبع لمسيرة الاستهداف ضد الإمارات يدرك أن هذه الهجمة متوقعة، فقد دأب هذا الإعلام الذي رهن ذممه لمخططات دولية وضعته «كروتا» توهمت فيها الربح لهذا الطرف أو ذاك من الأطراف التي دخلت ساحة الصراع في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة، والتي خسر فيها الإعلام المستهدف حتى الآن رهانه على النيل من دولة الإمارات بعدما استطاع هزيمة العديد من الأنظمة، ونصّب من أثبتوا عدم قدرتهم على إدارة الأمور، وعدم امتلاكهم فكرا أبعد من أحلام السلطة الواهمة وتنفيذ مخططات المستهدفين، فبدأوا يسقطون من قناعات الشعب، ويسقطون من الكراسي التي منحهم إياها بعدما اكتشف خيانتهم ثقته، وخواءهم من أيّ مضمون شعاري سوّقوا به أنفسهم لشراء تلك الثقة التي فقدوها إلى الأبد، فثقة الشعب لا يمكن شراؤها بشعارات مزيفة، ولا إعلام ارتكز في بنيته على فبركة المواقف واستغلال الثغرات. إن المسؤول الذي قام بذلك الفعل لم يبت أحد حتى الآن في أسباب قيامه به، وفي ذات الوقت هو في الأصل يمثّل نفسه، وليس هناك شعب بكامله يحمل أخلاق الملائكة، وتصرفات فرد واحد لا يمكن أن تنسحب على الوطن كله، وهو أمر يدعو مرة أخرى للتعجب والحيرة، فكم من مسؤول في دولة كبيرة تناولت وسائل الإعلام فضائحه ولم تنسبها لوطنه وشعبه ولكنها نسبتها له، فنابليون مثلا كان محسوباً على شخصه لا شعبه، وهتلر وغيره ممن حفظ التاريخ ما فعلوه، وحتى الفضائح الأخيرة التي طالت بعض رؤساء أميركا وبعض مسؤولي بريطانيا، وأيضا فضائح مواقع عالمية كبيرة كالفيفا والبنك الدولي والأحداث الفرنسية وغيرها، كلها تناولها الإعلام العالمي بتمييز واضح بين الفاعل ووطنه وشعبه، فلماذا هذه الجريمة التي حكم الإعلام المستهدف فيها دون محاكمة على مسؤول عادي ليس من الدرجة الأولى أو الثانية، بأنه يمثّل طبيعة الشعب والدولة ويستحق كل هذه المساحة الكبيرة التي مُنحت للحادثة، رغم أن آلاف الحوادث تقع يومياً في أرجاء العالم، ومن مسؤولين أرفع مستوى وأكثر تأثيراً، وتحدث في مواقع المسؤولية لا بعيداً عنها، فالمسؤول الذي اعتبرته وسائل الإعلام المغرضة قياساً للدولة وشعبها، لم يفعل ما فعل داخل مكتبه أو حتى في مقرّ عمله أو وقت دوامه الرسمي، في الوقت الذي لم تتحدث فيه تلك الوسائل عن مسؤولين يمارسون أفظع الأفعال في مقار عملهم، ورؤساء يتحدون لشعوبهم ويتوعدونهم بما لا يليق ببشر أن يحدث له، ويتناسون أن مسؤولاً إماراتياً أرفع مستوى وأكثر تأثيراً تم تحرير مخالفة مرورية له لأنه كان يتحدث بالهاتف أثناء القيادة، وردّة فعله التي تشبه طبائع الشعب الإماراتي، حينما قام بشكر الشرطة لقيامها بواجبها على أكمل وجه، تأكيداً لدولة القانون. ولم تسمح وسائل الإعلام المغرضة لأعينها برؤية مشاهد الإعانات الإماراتية الإنسانية التي لم تترك موقعاً في العالم لم تطأه قدماها بجيّد الأصناف، وأفضل العطايا، ولم تسمح لعينيها أيضاً برؤية القوافل الطبية والعلاجية التي ظلت تجوب العالم ولا تزال دون كلل أو ملل، ولا ابتسامات الأيتام الذين أخرجتهم كفالة الدولة من هموم فقد المعيل وقادتْهم إلى بناء الأحلام الكبيرة بمستقبل أفضل، ولا التلاميذ والطلاب الفقراء في مختلف مساحات الدنيا، والذين كادوا يفقدون فرصهم التعليمية قبل أن تحتضنهم الإمارات كنسمة حنان دخلت بيوتهم فأضاءتها عطفاً وطردت كل أشكال الإحباط واليأس والقنوط. واللافت أنه قامت شخصيات معروفة بالتهجم على الإمارات شعباً ودولة عبر استهداف مباشر سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الإعلام، إذ بالإضافة إلى الداعية الخليجي الذي عمّم فعلا فردياً على شعب بأكمله، قام مذيع في محطة فضائية مشهورة بالتهجم على الإمارات بطريقة سافرة ووقحة، حتى إنه أدان وقوفها مع الشعب المصري الشقيق في محنته، ليسيء إلى الإمارات عبر اتهامات باطلة. لكن المشترك بين معظم من يتهجم على الإمارات هو إما الانتماء لجماعة «الإخوان» أو الدعم المفرط لها، إذ بمجرد ذكر أسماء المغرضين ممن يتهجمون على بلدنا نعلم يقيناً أنهم يسبحون في فلك الجماعة المعزولة في مصر والتي تم استئصالها في الإمارات. وحتى إذا تذكرنا أسماء الكتاب الغربيين الذين يتهجمون علينا، فسنكتشف أن معظمهم من الداعمين لمشروع الإسلام السياسي، حيث مؤخراً أيضاً قام كاتب صحفي غربي، هو «هدا لينش»، بالتهجم على الإمارات وانتقد تقديمها لمليارى دولار للشعب المصري، ليقلب الحقائق بطريقة مستفزة وبتحليل لا يمت للواقع بصلة، ضمن حملة الصحف الغربية المستمرة سعياً لتشويه المنجز الحضاري لدولة الإمارات! ورغم أن هذه الوسائل المحسوبة على الإعلام قد حاولت المستحيل لتشويه صورة الإمارات، فإنها اصطدمت بجدار صلب صنعته إنسانية الإمارات في قلوب الشعوب، لتجعل من هؤلاء المستهدفين كمن يحاول العطس بعينين مفتوحتين.