قبل عامين، عندما كان أوباما في زيارة للبرازيل، كان كل ما فعله هناك مطابقاً لما فعله عندما زار الهند. فلقد بادر للتعهد بدعم ترشيح البرازيل للفوز بمقعد دائم في عضوية مجلس الأمن، وهو وعد بالغ الأهمية بالنسبة للبرازيليين. وما كان أحد على الإطلاق، ولا أي إنسان على وجه الأرض يتوقع أن يصدر مثل هذا الوعد عن رئيس الولايات المتحدة خلال فترة ولايته الأولى. وكان يرمي من وراء ذلك إلى تحقيق مكاسب كثيرة من دون أي ثمن من الناحية الافتراضية. ولكن الأمر لم يكن على هذا النحو ولا بمثل هذه البساطة أبداً. فلقد شعر الأعضاء «الديمقراطيون» في لجنة السياسة الخارجية، والذين ينبغي التذكير بأنهم مسؤولون عن رسم سياسة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية ــ ولا يُستثنى منهم إلا القليلون ــ، إنه كان من الأجدر معاقبة البرازيل على وقاحتها عندما تبنّت لنفسها سياسة خارجية خاصة وراحت تتعاون مع الأتراك لمحاولة إعادة فتح خطوط للتواصل مع إيران. وأضاع بذلك البرازيليون فرصة سهلة للفوز بمساعدة الأميركيين بدافع الشفقة وقصر النظر. ولكن، وقبل أن تلعن النحلات العاملات في الحكومة، يتوجب عليك أن تنتبه إلى أن كبار صنّاع السياسات في الولايات المتحدة، حتى لو كانوا يحتكمون إلى قدْرٍ كبير من بعد النظر الاستراتيجي، لم يكلفوا أنفسهم عناء تطويره وتحديثه على النحو المطلوب. ولعل الشيء الذي قد يجعل من ضياع هذه الفرصة الضائعة أكثر مرارةً، هو أن الإدارة الأميركية كانت تنظر إلى علاقتها مع تركيا على أنها تتميز بالخصوصية. ويمكن تفسير ذلك بأن أوباما كان يشعر برابطة وثيقة تشدّه إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالرغم من أن تركيا لم تُعاقب في يوم من الأيام بسبب شراكتها السياسية مع البرازيل في اتخاذ الموقف ذاته من إيران. وبالطبع، فلقد عمد أردوغان إلى مكافأة أوباما على دعمه له حين شرع في وأد الديمقراطية في بلاده وراح يقدم المساعدات لبعض الجماعات الأصولية في سوريا بالرغم من اعتراض الولايات المتحدة على هذه السياسة. ولم تكن هذه هي الفرصة الضائعة الوحيدة للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية خلال السنوات الأربع الماضية. فبالرغم من الجهود التي بذلتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون لرفع المكسيك إلى رأس قائمة الدول ذات الأفضلية في السياسة الخارجية الأميركية، فإن القليل جداً من الجهود بذلت من أجل تقوية العلاقة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والطاقة. وصحيح أن الولايات المتحدة قدمت مساعدة فعالة في الحرب ضدّ عصابات تجارة المخدرات، ولكنها في الوقت ذاته، وبمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين لتوقيع (اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية) NAFTA وحيث كانت المكسيك تقدم الكثير، وكان يتوجب على الولايات المتحدة أن تفعل ما في وسعها لتمتين العلاقات مع جارتها، فلقد كان النقاش لا يدور إلا حول بناء جدار أعلى للفصل بين الدولتين. وبالرغم من الجهود التي انطلقت مؤخراً لاعتماد المشاريع التجارية المدرجة في مبادرة بوش مع كل من كولومبيا وبيرو وبنما، فإن مساهمة الولايات المتحدة في العمل على إطلاق المرحلة الثانية من خطة تطوير السياسة التجارية للمنطقة بلغت قيمة الصفر تماماً (ومنها محاولة وضع خريطة "ميركوسور- نافتا" لتوثيق التعاون بين دول أميركا الشمالية). وربما تكون الولايات المتحدة قد وجدت في موت «شافيز» فرصة لإعادة قولبة العلاقات مع المجموعة القوية من القادة ذوي التوجهات «اليسارية» في المنطقة. وقبل كل شيء، لم يعد أوباما والحاشية المحيطة به يعملون في الخفاء لتحقيق رغبتهم في إصلاح العلاقة بين الولايات المتحدة وكوبا، وبما ينسجم مع مقتضيات القرن الحادي والعشرين عن طريق تطوير خارطة طريق لإنهاء الحصار الأميركي المفروض عليها والذي يعد واحداً من أضخم الأخطاء التي ارتكبت خلال التاريخ الطويل للسياسة الخارجية الأميركية. ومن شأن ذلك أن يحقق للولايات المتحدة كسب بعض النقاط السياسية المهمة. ثم إن بعض كبار المسؤولين من ذوي التوجهات اليسارية في المنطقة، ومنهم على سبيل المثال الرئيس الإكوادوري «رافائيل كوريا»، عبّروا عن مواقف بنّاءة من بعض القضايا الحساسة مثل التعاون على مكافحة المخدرات، كما أظهروا قدراً كبيراً من الانفتاح الهادف إلى حل بعض القضايا المتعلقة بتطوير التبادل التجاري مع الولايات المتحدة. وطالما أن واشنطن باتت تشعر بالارتياح في العمل مع الحكومات ذات التوجهات «اليسارية» في أي مكان آخر من العالم ــ بما فيها تلك التي تعتمد سياسة الحكم المطلق للحاكم الفرد أو أسوأ... نعم، أنا أقصدك أنت يا فلاديمير ــ، فإن علينا أن نتساءل: لماذا إذن تمر عملية نفخ الروح في العلاقات بن دول أميركا اللاتينية بمثل هذه الأوقات العصيبة منذ أعوام الثمانينيات؟ أو حتى الستينيات؟. وإذا كان من العسير استحضار الجواب الشافي، فإن العواقب التي ستترتب عن ذلك لن تكون واضحة المعالم. ولقد أدى الغياب التام لأي اهتمام فاعل بالمنطقة فيما عدا الشكاوى المتواصلة من الجدل العقيم الذي لا ينتهي أو المراوغة التي تبنّاها أمثال شافيز، إلى خلق انطباع واهم مفاده أن الأمور عندما تسير في الاتجاه الخاطئ، فإن الأمر يبدو وكأن السبب يعود بشكل كلي إلى سياسة الولايات المتحدة في دول القارتين الأميركيتين. وقد يتصور المرء في بعض الأحيان أن الفشل في تركيز الأهمية المطلوبة على دول المنطقة يمكن أن يحقق على الأقل فائدة تجنّب الأذى. وهذا ليس صحيحاً لأن من شأن هذا النهج السياسي أن يفتح الباب أمام جهات لا نتوقعها، أو لا نثق بها لإعادة تشكيل العلاقات بشكل كامل في خدمة مصالحها ويمنحنا القليل فحسب من القدرة على التصدي للمشاكل عندما تظهر وتتفاقم. وهذا يتطابق مع موقفنا من سوريا وحيث كان امتناعنا عن فعل أي شيء هناك لا يعني أبداً أننا أفلتنا من الشرك. وأحيانا ما تتداعى إليك مشكلة ليس لأنك أنت من خلقها، بل لأن إهمالك هو الذي هيّأ لها فرصة الظهور. دافيد روثكوف كبير المحررين في مجلة Foreign Policy ينشر بترتيب مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"