تشن جماعات الإسلام السياسي في الخليج حملة شرسة ضد دولها بسبب وقوف هذه الدول مع مصر ودعمها مادياً ومعنوياً. موقف دول الخليج الداعم لمصر وشعبها هو موقف مبدئي، لأن ثورة الشعب المصري يوم 30 يونيو ضد «الإخوان المسلمين»، لم تحرر مصر وحدها بل حررت الأمة العربية كلها، لأن هذا التحرك السريع وضع حداً لحكم المتاجرين بالدين والذين خلقوا الفتنة والفرقة بين الشعب الواحد، ليس في مصر وحدها، بل في السودان ولبنان والبحرين وليبيا وتونس والسعودية والكويت. هذه الجماعات الدينية المتطرفة أثارت قضايا التطرف الديني والمذهبي وكراهية الآخر، فقط لأن الآخرين يختلفون معهم في الرأي أو الدين أو المذهب. شكراً لشعب مصر لأنه كشف ادعاءات «الإخوان المسلمين» بأن رسالتهم هي الإرشاد والإصلاح الديني، ويعملون لحفظ الأخلاق والقيم النبيلة، لكن شعب مصر كشف زيفهم حيث إنهم جماعة إسلامية متطرفة لديها برنامج سياسي مؤدلج لا يمت للديمقراطية ولا الإسلام بشيء، فعندما قفزوا إلى السلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية حاولوا تغيير اللعبة الديمقراطية بإصرارهم على وضع دستور ديني يناسب مفاهيمهم الدينية بدلاً من دستور توافقي يرضي جميع المصريين. أقدموا كذلك على مصادرة حقوق إخوتهم في الوطن من المسيحيين والشيعة، والأهم من كل ذلك حاولوا احتكار السلطة والتمسك بها باسم الأغلبية في الشارع. وتحرك الشعب المصري ضد التطرف الديني شجع دول الخليج لاسترجاع تحركها حيال مصر، لأن العرب من دون مصر أصبحوا أمة مشتتة ومتفرقة... فوجود جمهورية مصر العربية كبلد للاعتدال والوسطية ضد التطرف الديني سيضع حداً لحالة التشرذم والتمزق العربي. موقف دول الخليج من مصر شجع الولايات المتحدة على تغيير موقفها تجاه الأحداث في مصر، ففي بداية الأحداث كانت الولايات المتحدة متخوفة ومترددة من انتشار الفوضى والشغب في مصر، لكن وحدة الشعب والجيش غيرت مواقف الجميع. نشكر مصر لأنها كشفت لنا في الخليج زيف جماعات الإسلام السياسي وتحديداً «الإخوان المسلمين» الذين كانوا يدعون سابقاً بأنهم يمثلون صوت الاعتدال والوسطية، وقد كلفتهم الحكومة الكويتية بترأس لجنة الوسطية في وزارة الأوقاف. لكن كشْف دولة الإمارات لمخطط «الإخوان» فتح عيون دول الخليج الأخرى التي لا تزال بعض دولها، مثل الكويت، تثق بهم رغم مقاطعتهم الانتخابات الكويتية والإصرار على حكومة برلمانية منقحة. ومن المفارقات الغريبة أن تيارات الإسلام السياسي، وتحديداً «الإخوان»، مع التكتل الشعبي وبعض القبائل، يجمعون التبرعات للمجاهدين في سوريا ويرفضون دعم الحكومة الكويتية للشعب المصري. ويعود سبب هذا التناقض إلى حقيقة أن «إخوان» سوريا ملتزمون بخط التنظيم الدولي لـ«الإخوان» حيث رفض هذا التنظيم تحرك الشعب المصري وثورته ضد «الإخوان». وأخيراً نشكر مصر لأنها كشفت زيف الأحزاب الإقصائية، سواء أكانت قومية أم دينية، في الوطن العربي، لأن هذه الأحزاب لا تؤمن بالديمقراطية ولا التعددية الفكرية ولا العمل المؤسسي، فمرسي لم يكن الحاكم الفعلي لمصر بل كان المرشد العام لـ«لإخوان» هو الذي يدير دفة الحكم وهو شخص غير منتخب. هل هنالك مستقبل لـ«الإخوان المسلمين»؟ سيتوقف ذلك على إعادتهم النظر في منظورهم السياسي ودخول العمل السياسي السلمي بعيداً عن الأطروحات الدينية. مصر اليوم محتاجة إلى أحزاب وحركات سياسية تؤمن بالتنمية الاقتصادية والديمقراطية والحرية.