سقط "الإخوان المسلمون" في مصر سقوطاً سريعاً ومدوياً، وربما أن من أهم أسباب فشلهم هو أنهم حاولوا باستعجال، إلغاء الدولة الوطنية الحديثة التي قوامها تآلف طويل الأمد بين كافة أطياف ومكونات المجتمع المصري الذي يزخر بتركيبة متنوعة استمرت قائمة على مر العصور. هذه التركيبة يتآلف فيها المسلم والمسيحي، العربي وغير العربي أياً كانت أصوله الأولى، والسني والشيعي والقائمة تطول. فشعب مصر تركيبته متنوعة يصعب على أياً كان فرز مكوناتها بسهولة ما لم يكن عارفاً لعناصرها بدقة. لكن "الإخوان" المسلمين أتوا إلى السلطة لكي يبدؤوا في "تمكين" كوادرهم وفقاً لعملية واسعة تهدف إلى أسلمة المجتمع والدولة وإقامة دولة الخلافة كما يدعون. مصر دولة وطنية قوية منذ أن دخلت إليها عمليات التحديث، ولا يوجد مجال لنفي قوتها كدولة وطنية، لكن من المهم تفهم أسس قوتها السياسية في العصر الحديث، وهو ما لم يقم "الإخوان" بفعله بتعمد شديد، فالدولة الوطنية المصرية في إطار تطورها بدءاً بالقرن التاسع عشر مروراً بالقرن العشرين وانتهاءً بفترة ما قبل 25 يناير 2011 هي عهد بين مواطنين وحكومات تواجدت ضمن حدودها السياسية المعرفة، ولكي يتم ضمان تلك الصلة احتاجت دائماً إلى الوعي والثقة بالنفس من قبل مواطنيها بأن الإجماع الوطني له قوة أعظم من أي تكتل سواء كان في شكل جماعة "الإخوان"أو أي حزب سياسي آخر أو مذهب طائفي أو أصول عرقية. لقد كانت الدولة الوطنية المصرية دائماً تمثل المواطن المصري وتعطيه الشعور بالانتماء لمصر، أي إلى كل متماسك ومتضامن. لذلك فقد كانت تتم المزاوجة بين الوطنية القائمة على الشعور بالذات وبين النخبة السياسية والإدارة المدنية، الأمر الذي أدى إلى أن تصبح الدولة الوطنية المصرية حاضنة لآمال وتطلعات مواطنيها الذين يدينون لها بالوحدة والتضامن. لذلك فهي صيغة نقية من التعاون الطوعي، وعلى أبسط مستوياتها صارت بناءً مختزلاً رغب المصريون دائماً في الذود عنه وفي سبيله بدمائهم، فهل يمكن إزاء كل ذلك أن يأتي "الإخوان" لكي يزيلوا ذلك بجرة قلم غير واعية لواقع متأصل وشديد الأصالة؟ لكن دعونا نتساءل عن الدروس التي يمكن استقاؤها مما آل إليه مصير "الإخوان" في مصر، فأول ما يستشف هو عدم إمكانية تطبيق فكرتهم القائلة بأن "الإسلام هو الحل" الوحيد لجميع مشاكل مصر على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية، وكما أفصحت عنه الحركة التصحيحية الأخيرة لمسار ثورة 25 يناير، كان "الإخوان" مخطئين عندما بدؤوا في التدخل في شؤون المجتمع المصري بهدف إقامة الدولة الدينية، يعتقدون بأنها ستكون قادرة على تجاوز مشاكل مصر المستفحلة في مجتمع مركب دينياً وتقطنه أقلية مسيحية تحصى بالملايين. صحيح أن المجتمع يتكون من أغلبية مسلمة سُنية، لكن ذلك لا يعني إلغاء حقيقة أن الدين ليس لديه القدرة الكاملة لإرساء قواعد المجتمع السياسي الحديث القادر على الاستمرارية ومواجهة مشاكل التنمية المعاصرة. فعلى الأقل المواجهات بين الهوس الديني والوطنية، يمكن أن تكون كارثية حين تفرض التقاليد الدينية لكي تقف منعزلة عن تقاليد الدولة الوطنية وتعطي جذوراً أعمق، فهذا مضر بأداء الدولة الوطنية ويمكن أن يقضي عليها، وهذا ما عبر عنه المصريون بوجدانية متناهية رافضين تغليب الأيديولوجيا الدينية على الواقع الوطني، فكان ما كان من إخراج "الإخوان" من السلطة السياسية.