الذين هزوا الشوارع والميادين في شتى أنحاء مصر يوم الثلاثين من يونيو 2013، ودقوا الهواء بقبضات أياديهم، صارخين: «الشعب يريد إسقاط الإخوان» كان لديهم ما يبرر غضبهم العارم، وسخطهم العميق، وحنقهم الدفين، إذ تراكمت الأسباب التي قادت الناس إلى رفض حكم «الإخوان» ورئاسة محمد مرسي حتى صارت عشرة أسباب، يمكن ذكرها على النحو التالي: 1 - الخروج على خط الثورة ومطالب الثوار، حيث التنكيل بالشباب، وخطف الدستور في ليلة لا تنسى، والانفراد بوضع قواعد المنافسة السياسية بما يمنع تداول السلطة، وغياب العدل الاجتماعي، وتضييق الحريات العامة، وتهديد الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وإهانة المواطنين، واستعلاء الجماعة الحاكمة، على رغم تخلفها ورجعيتها، عليهم، علاوة على تقليص الديمقراطية في مجرد «صندوق انتخاب» وهو مجرد إجراء من إجراءاتها العديدة إلى جانب قيمها وأنساقها التي غابت تماماً عن الذهنية «الإخوانية» المثقلة بعبء الاستبداد على مستوى الخطاب والممارسة والتاريخ والبنية الداخلية للجماعة. كما حصرت الجماعة الشرعية في عملية «شكلية» تتمثل في حصد الأصوات، وتصرفت على أنها قد حازت صكاً على بياض من المصريين تفعل بهم ما تشاء، ونسيت أن الشرعية مشروطة باحترام الدستور والقانون وتنفيذ الوعود وتقديم الإنجازات. 2 ـ غياب أي مشروع للتنمية، وتراجع الاقتصاد بطريقة مخيفة، حيث زيادة معدلات التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار بمستوى غير مسبوق، في مقابل ارتفاع نسبة من وقعوا تحت خط الفقر، وتدني قدرة الدولة على تقديم الخدمات للمواطنين، بينما استمر «الإخوان» في معالجة هذا الأمر بالطريقة التي ألفوها طيلة حياتهم، وهي تقديم الصدقات السياسية، وهي مسألة كانت الناس تقبلها منهم حين كانوا في المعارضة، ولكنها لم تكن مرضية على الإطلاق من سلطة تقدمت إلى الكراسي الكبرى تزفها وعود مفرطة زائفة. 3 ـ استمرار غياب الأمن، حيث لم ينجح مرسي في تحقيق مطالب الناس بتحديد «وظيفة أمنية» للشرطة مختلفة عن تلك التي كانت متبعة أيام مبارك، حيث انحرفت من حماية المجتمع إلى قهره لحساب السلطة. كما لم يستجب مرسي لكل مطالب تطهير أجهزة الأمن بل سعى وضغط عليها لتكون في خدمته وجماعته على حساب المصلحة العامة، وهو ما ترفضه أغلبية رجال الشرطة إلى الآن. 4 - التسبب في إحداث انقسام خطير للمجتمع للمرة الأولى في تاريخ البلاد بهذا القدر الجارح، وعودة جماعة «الإخوان» إلى ممارسة العنف بشتى ألوانه الرمزية واللفظية والمادية، علاوة على إكراه السلطة وتجبرها، الذي قاد إلى استشهاد العشرات خلال سنة من حكم مرسي، وإصابة المئات، وحبس وتعذيب الآلاف. 5 - افتقاد مرسي وجماعته أدنى درجة من الكفاءة في إدارة الدولة، بينما يغيب مبدأ «الاستحقاق والجدارة» في تعيين الذين يتولون الوظائف القيادية العامة وهم إما «إخوان» (عاملون ـ منتسبون ـ متعاطفون) أو متأخونون أو منسحقون يأتمرون بأمر الجماعة، وهذا نوع من الفساد الإداري، يدمر مقدرات الدولة. فـ«الإخوان» لم يجربوا في تسيير أمور دولة من قبل، ولم يعترفوا بغياب هذه الإمكانية عنهم، بل كابروا وتصدروا المشهد الرسمي، ورفضوا فتح أي باب أو نافذة لتعاون أصحاب الكفاءات الحقيقة معهم، وتصرفوا وكأن الدولة أحد مشاريعهم الخاصة. 6 - ترك مرسي الفرصة كاملة لمكتب الإرشاد للتحكم في زمام أمور الدولة، على رغم أنه بلا أي حيثية قانونية أو مشروعية، وطاعته هو شخصياً، بل انصياعه التام، لإرادة التنظيم الدولي للإخوان، وإظهار ولائه للجماعة على حساب الوطن، إلى درجة أن كثيرين من المصريين اقتنعوا بأن مرسي لم يكن سوى مندوب الجماعة في الرئاسة، أو وفق التعبير الإخواني: «الأخ مرسي مسؤول شعبة الرئاسة». 7 ـ خداع الشعب والكذب المتوالي والفاضح عليه، بل واستحماره، إذ وجد الناس بمرور الأيام أن كل ما وعد به مرسي أثناء حملة انتخابات الرئاسة كان محض تلاعب بمشاعر ومصالح الناس، واتسعت الفجوة بين القول والفعل، ففقدت السلطة مصداقيتها ومشروعيتها الأخلاقية، ولا تلوح في الأفق أي بادرة أمل في إمكانية مراجعة «الإخوان» لأنفسهم أو تغيير نظرتهم وسياستهم. 8 - تعريض الأمن القومي للخطر، وهو الذي ظهر في معالجة أزمة «سد النهضة»، واتخاذ خطوات حيال سوريا من دون ترتيب مع الجيش، بما يفتح الباب أمام تورطه في حرب خارجية لحساب مصالح جماعة «الإخوان» وارتباطاتها وتحالفاتها، وكذلك فتح الباب أمام إمكانية وضع المعلومات الاستخبارية التي تهم الدولة المصرية أمام أعين التنظيم الدولي للإخوان، بما يمكنه من استغلالها لصالحه على حساب أمن البلاد. 9 - عدم الانشغال بمصالح مصر، وتقديم مصالح تنظيم «الإخوان» عليها، وهي مسألة بانت في معالجة أزمة «الخلية الإخوانية» في الإمارات، وفي اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل، وفي التعامل مع ملف حلايب وشلاتين. 10 - الإضرار بصورة مصر في الخارج، إذ بدت وكأنها «دولة راعية للإرهاب» أو باتت على شفا هذا التصنيف الخطر، وقد اتضح هذا بجلاء من خلال تحالف «الإخوان» سراً من الجماعات التكفيرية والإرهابية في شبه جزيرة سيناء وغيرها. كما بان ضعف تقدير الرؤساء وكبار المسؤولين لمرسي في زياراته الخارجية المتتابعة، والتي لم تحقق أي فائدة تذكر للبلاد، بينما لم يزر أحد من الرؤساء مصر في ظل حكم مرسي إلا أمير قطر السابق، الذي كان مقصده الحقيقي هو دخول قطاع غزة من الأراضي المصرية.