في كتاب يربو على خمسمائة صفحة من القطع الكبير، يناقش كريم مصلوح جدلية «التعاون والتنافس في المتوسط»، تحت عناوين أربعة رئيسية؛ تتناول «العناصر النظرية والاستراتيجية» في بناء التعاون الأورومتوسطي، و«بيئة التعاون الأورمتوسطي»، ثم أثر التحولات الإقليمية والدولية على التنافس في المتوسط، وأخيراً «إعادة رسم المتوسط». وتحت هذه العناوين وفيما بينها نطالع تحليلا يمتزج بالسرد التاريخي حول نشوء الإطار الأورومتوسطي، وذلك إثر التغييرات التي أدخلها التحول في طبيعة النظام الدولي من الثنائية إلى الأحادية القطبية، مما أحدث أثره المباشر في البحر الأبيض المتوسط الذي كان إحدى ساحات الصراع والانقسام أثناء الحرب الباردة، ثم عرف مرحلة جديدة مع الانفراد الأوروبي والأميركي بالمتوسط وتراجع أهمية الدور الروسي في المنطقة. لقد تميزت هذه المرحلة بوجود ساحة شبه فارغة محاطة بأوروبا التي كانت قد توسعت جنوباً بضم إسبانيا والبرتغال واليونان في الثمانينيات. كما نشأ عن المرحلة الجديدة بروز ضغوط مشتركة ذات طابع أمني بالخصوص، فضلا عن الطموحات الاقتصادية والتجارية للاتحاد الأوروبي حيال دول منطقة جنوب وشرق المتوسط. وانطلاقاً من الطبيعة المتأرجحة للعلاقات بين ضفتي المتوسط خلال العقدين الماضيين الأخيرين، يطرح الكتاب إشكالية التعاون والتنافس في البحر الأبيض المتوسط من منظور يسعى لتوظيف أهم المستجدات المؤثرة في خريطة التعاون والتنافس الإقليميين، المستجدات المرتبطة بالمسار الأورومتوسطي في محطاته الأساسية، حيث نجده يولي أهمية خاصة لمحددات التنافس الناتجة عن عناصر حيوية لا يمكن قراءة التفاعلات الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط بدونها، وهي محددات متولدة عن ضغوط جغرافية وجيوسياسية وحضارية. كما تنطلق إشكالية الكتاب من فكرة مفادها أن التعاون الإقليمي في المتوسط، وفي صيغته الأورومتوسطية، حافز يمليه القرب الجغرافي وقوة التدفقات في المنطقة، غير أن الضغوط الناتجة عن جغرافية المتوسط تدعم التنافس وإنتاج سياسات متنافرة تحد من تطور التعاون الإقليمي في المتوسط وتجعل تجربة تشكيل ساحة جيوسياسية للأورومتوسط عملية محدودة النتائج. وكما يوضح الكتاب، فإن مفهوم العلاقات الأورومتوسطية يشمل كل التدفقات التي تقع داخل الفضاء الأورومتوسطي، بين الاتحاد الأوروبي والدول المتوسطية، ضمن إطار واقعي دبلوماسي ملموس وفعال، في شكل مؤسسات إقليمية مشتركة لتأطير هذه العلاقة. وقد أفضى المنعطف الإقليمي الأورومتوسطي إلى إنشاء شراكة إقليمية في بيئة جيوسياسية غير متجانسة، مع انطلاق مسلسل برشلونة في عام 1995، والذي رأت فيه دول جنوب وشرق المتوسط فرصة لتدعيم علاقاتها مع أوروبا والاستفادة من الفرص التي تتيحها مثل هذه الشراكة، خاصة في الجوانب التجارية وجوانب الدعم المالي والاجتماعي. وفي ذات السياق يؤكد الكاتب أن الشراكة بين ضفتي المتوسط هي هندسة إقليمية أوروبية بالأساس، تتزعّمها دول أوروبية متوسطية ذات اهتمام متوسطي كبير، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، لاسيما في بعض المجالات الحيوية؛ كالطاقة والهجرة والأمن. هذا فضلا عن حرص الاتحاد الأوروبي على تدعيم العلاقات مع حدوده البحرية الشرقية والجنوبية، انطلاقاً من منظور جديد يقوم على إدخال المعايير الأوروبية كأساس للتقدم في الشراكة مع كل بلد على حدة. ومع ذلك نجد أن المؤلف يرفض إمكانية تحليل التعاون الأورومتوسطي على أنه آلية لتصدير القيم الليبرالية الأوروبية والمعولمة، أو على أنه احتكار أوروبي كل أو جزئي. فالتعاون الأورومتوسطي ينطلق من ركائز نظرية وعملية شديدة الصلة بحجم التقارب الناتج عن كمية التدفقات ونوعيتها، وبالترابط السياسي الناتج عن حتميات الجغرافيا. ورغم أن الأمر لا يتعلق بهوية إقليمية واضحة، فإن هذه الهوية تجد سندها في تطوير السياسات الخارجية ومقاييسها في المنطقة المتوسطية. ومع هذا تبقى ثمة أسئلة كبرى معلقة دون إجابات: هل أوروبا وباقي المتوسط يمكن أن يبنيا تعاوناً منتظماً ومنظماً؟ وكيف يمكن إدارة التعاون في ظل التنافس والتنازع؟ وهل بلدان جنوب وشرق المتوسط بحاجة إلى تعاون أورومتوسطي في الأصل؟ محمد ولد المنى الكتاب: التعاون والتنافس في المتوسط المؤلف: كريم مصلوح الناشر: الدار العربية للعلوم تاريخ النشر: 2013