لو سُئل أي مواطن عربي عن جيشه، فسيقول بلا تفكير: «الجيش المصري» لو كان المسؤول مصرياً، و«الجيش السعودي» لو كان سعودياً، و«الجيش الإماراتي» لو كان إماراتياً، بل سيستهجن هذا السؤال الغريب، وقد لا يفهمه أصلًا ويعتقد أنك تسأله عن القدرات العسكرية لجيش بلاده. لكن بصراحة، لو وُجه السؤال نفسه لمن ينتمي لجماعات الإسلام السياسي التي تسعى لإقامة دولة الخلافة، فهل سيجيب بلا تفكير ولا رويّة ولا تردد، أم أنه سيسرح بخياله قليلاً وهو يرى جيشاً شبحاً يضم وجوهاً من جنسيات مختلفة، ويتكلم أفراده لغات ولهجات شتى، ويرفع علماً لا يمت لعلم بلاده بصلة؟ وهل سيختلف الوضع لو كان السؤال عن بقية مؤسسات دولته، كالقضاء، والأمن، والتعليم، أو حتى الحدود الوطنية، والنظام السياسي لبلاده برمته؟! القفز على فكرة الدولة الوطنية والتحليق في عالم الأفكار الخيالية بدولة الخلافة، ليس تهمة كيدية يلصقها خصوم الإسلاميين بهم، بل على العكس، هم يفاخرون بأنهم أكبر من هذه الفكرة التي ينظرون إليها باعتبارها فكرة استعمارية تقوم على مبدأ «فرّق تسد»، ويعتبرون من يعيب عليهم «سعيهم لأستاذية العالم وطموحهم نحو إقامة دولة الخلافة» بأنه لا يعتز بإسلامه، كما صرّح بذلك المتحدث السابق باسم جماعة «الإخوان» كمال الهلباوي. وهناك شواهد عدة يمكن أن يستشف منها المرء أن هذه الجماعات لا تؤمن بفكرة الدولة الوطنية، وإنما تحلم بتذويب هذه الدول القائمة لمصلحة دولة أممية واحدة ترفع راية الخلافة الإسلامية يحكمها شخص يدعى «أمير المؤمنين»، وتسعى لتجسيد هذا الحلم واقعاً متى ما تمكّنت، والجميع يذكر الكلمات النابية التي تفوّه بها المرشد السابق لـ«الإخوان»، محمد مهدي عاكف، بحق بلاده ومواطنيه حين قال: «طز في مصر... وأبو مصر... واللي في مصر». لم تكن هذه مجرد فلتة لسان بدرت من المرشد الإخواني في لحظة غضب على سؤال استفزازي وُجه إليه، فهكذا كان موقف النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي وليد الطبطبائي مع علم بلاده حين وصفه بأنه «خرجة»، أي مجرد قطعة قماش، بينما العلم هو أحد أهم رموز الدول، ودونه تراق الدماء. وكذلك فعل محمد هايف الذي رفض الوقوف أثناء عزف السلام الوطني لبلاده في الفترة التي كان يمثل فيها الشعب في البرلمان الكويتي! ولعلّ المرشد الحالي عبّر بوضوح شديد عن هذه الفكرة الخيالية بُعيد وصول جماعته إلى السُلطة في مصر، حين ذكّر بالغاية البعيدة للجماعة، وهي الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم. وقبل عزل مرسي بأيام قليلة، كان الداعية محمد العريفي يقول إن الخلافة ستقام رغم أنوف «الفاسدين والفجّار»، ويقسم بالله أن «الخلافة قادمة لا محالة، وكأني أرى بوادرها الآن». والعريفي بكلامه إنما عبّر عن يقين موجود لدى الإسلاميين عامة بأن الخلافة هي النهاية الحتمية لكل أشكال الحكم في العالم الإسلامي. ومن هذا كله يمكن القول إن هذه الجماعات لا تؤمن إلا بدولة هلامية كبيرة تقوم على الدين، حسب تصوّرهم لهذا الدين، ولا تعترف بدولة قومية ولا برابطة وطنية، ومن باب أولى أنها لا تعترف بمؤسسات هذه الدول، ولا إداراتها، ولا حتى بشركائهم في الأوطان ممن يختلفون معهم في الفكر أو المذهب والدين. ولو وجّه أفراد هذه الجماعات طاقاتهم للإسهام في تنمية أوطانهم، والبناء على الموجود والإضافة إليه وتحسينه وتطويره، لكان خيراً لهم ولأوطانهم من الجلوس في مقعد الحالم، وانتهاز الفرصة لتقويض أوطانهم وتخريب منجزاتها لبناء وطن وهمي، من الصفر.