تشير تجارب الدول المتقدمة إلى أن التعليم المهني والفني كان إحدى الركائز الأساسية وراء نهضتها وسر نجاحها، وهذا ما يدركه القائمون على التخطيط للتعليم في دولة الإمارات، إذ إن هناك اهتماماً كبيراً بتطوير التعليم المهني كي يواكب الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدولة في كافة المجالات. ولعل ما يعكس هذا الاهتمام هو تزايد أعداد الطلاب الملتحقين بهذه النوعية من التعليم في السنوات القليلة الماضية، واتجاه عدد كبير من الطلاب للانضمام إلى معاهد التعليم والتدريب المهني. فوفقاً لما أعلنه معهد أبوظبي للتعليم والتدريب المهني مؤخراً، فقد تم قبول 1751 طالباً وطالبة مواطنين للعام الدراسي المقبل 2013/2014، في المعاهد التابعة له. دلالة هذا العدد ليست فيما يشير إليه من أن التعليم المهني أصبح يجتذب نسبة كبيرة من الطلاب فقط، وإنما في المجالات المهنية التي يتخصص فيها هؤلاء الطلاب أيضاً، والتي تتوافق مع سوق العمل في الدولة في كافة المجالات. الاهتمام بالتعليم المهني وتطويره يستندان إلى جملة من الاعتبارات الرئيسية: أولها يتعلق بتنافسية سوق العمل، فالتعليم والتدريب المهني هما القناة التي يمكن للمواطنين من خلالها تحصيل الخبرات العلمية والمهنية وتعلم المهارات التي تمكّنهم من المنافسة بقوة في أسواق العمل وزيادة إمكانات فوزهم بفرص العمل التي تتطلب مهارات وخبرات من نوع خاص، لا تتوافر إلا لفئة محدودة من الباحثين عن عمل، كما أن التعليم المهني والفني بات داعماً أساسياً للقدرات التنافسية للدول، باعتبار أن التنافسية الحقيقية لن تتمحور مستقبلاً حول تكلفة الإنتاج والتشغيل، بقدر ما ستركّز على مقدرة الاقتصادات على تخريج عمالة نوعية مدرّبة تلبي الاحتياجات، وتتماشى مع احتياجات أسواق عمل تخضع لقواعد العولمة الاقتصادية ومتطلباتها. ثانيها، أن التعليم المهني يستجيب لخطط الدولة نحو بناء قاعدة صناعية كبيرة والتوسّع في خصخصة العديد من القطاعات المهمة التي أصبحت تتطلب عمالة نوعية ماهرة تمتلك أدوات المعرفة والتكنولوجيا المتقدّمة. إن خريجي معاهد ومراكز التأهيل المهني والفني في الدولة، وبما يتلقونه من تدريب وتأهيل، يشكّلون رافداً مهماً لإمداد المؤسسات الصناعية باحتياجاتها من الموارد البشرية المدربة عملياً. وعلاوة على ذلك، فإن هناك خططاً لإنشاء وتوفير مراكز متقدمة للتدريب والبحوث الصناعية، بالتعاون مع بعض المؤسسات المتخصصة في الدول الصناعية، لتأهيل جيل من الشباب المواطن على درجة رفيعة المستوى من الكفاءة المهنية في القطاع الصناعي، وهذا الأمر يخدم في جوهره سياسة التوطين التي أصبحت تتطلب عناصر بشرية مدربة قادرة على المنافسة، خاصة في مجالات العمل المهني التي تسيطر عليها العمالة الوافدة. ثالثها، إن التعليم المهني يستجيب لحاجة تربوية مهمة، هي استيعاب شريحة من الشباب الذين تتناسب مجالات الدراسة التطبيقية مع قدراتهم واهتماماتهم، فضلاً عن شريحة أخرى من الشباب حالت الظروف دون إكمال دراستهم، ولذا توفر معاهد ومراكز التأهيل والتدريب المهني المخرج أمام هؤلاء وإتاحة الفرصة لهم للانخراط في سوق العمل، وهذا هو الهدف الرئيسي لمعهد أبوظبي للتعليم والتدريب المهني منذ تأسيسه عام 2007، حيث يسعى إلى دعم حكومة أبوظبي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تهدف إلى إعـداد قـوى عاملـة إماراتيـة تستطيع مواجهة تحديات سوق العمل في المستقبل بكل فعالية وكفاءة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية