كلنا مسلمون، كما قالها ذات يوم الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية عندما التقى حسن البنا، حيث طلب البنا إنشاء مكتب لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز مباشراً وصريحاً (كلنا أخوان مسلمون.. ولكن دون مكتب). أجل إنه صراع على السلطة بأفكار وعقائد واهمة على أنها تحمل النهضة والعزة للوطن العربي، فالبعد التاريخي للصراع على السلطة في الوطن العربي بعد تأسيس الأمم المتحدة وسلسلة استقلال الدول العربية مر بصراع بين جماعات اشتراكية قومية ذات صبغة عسكرية وشيوعية أقل قوة من الجماعة الإسلامية داخل القطر الواحد، وفي غالب الدول كانت صور من الصراع بين الدول الاشتراكية المدعية التقدمية والدول الملكية، سقطت العقائد الأخرى وبقيت «الإخوان» كعقيدة لا تستطيع الليبرالية العربية مواجهتها بسبب الفقر المنتشر في الدول العربية، وظنوا أنهم هم الأصح والأصلح، وتناسوا تطور المجتمع العربي، وتطور أهدافهِ في الديموقراطية والمشاركة السياسية وتحقيق النهضة والتقدم. لم يكن الرئيس المخلوع محمد مرسي كأبي الهول الذي يحمل القوة والحكمة المتمثلة في جسم أسد ورأس بشري، فبعد عام كان مرسي فيها مخيباً لآمال وطموح نسبة كبيرة جداً من المواطنين العاديين أو غير المتعصبين لليبراليين أو الإسلاميين، ويرجع ذلك إلى أن مرسي لا يستطيع الخروج من حظيرة مكتب الإرشاد العام لجماعة «الإخوان». ومثل هذا الانتماء العقائدي يجعلنا أمام «الإخوان» الذين يحملون أغلالاً تتجاوز مصر إلى الوطن العربي. أولى أغلالهم توهم الديموقراطية، الإمساك بمقاليد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، حاول مرسي و«الإخوان» محاكاة الخميني في الإمساك، وخلق أغلالا على أجهزة الدولة المصرية، وذلك لمن توهم أن مرسي وجماعتهِ تمتلك كل الإرادة والحرية النابعة من إرادة الشعب، فبعد انقضاء سنة واحدة أصبح مرسي من رئيس ديموقراطي إلى ديكتاتور مستبد محاولًا، جعل أجهزة الدولة بيد «الإخوان»، لكي تبقى في يدهم دائماً وليحققوا مبدأ أن شرائح المجتمع التي لا تناصرهم هم جهلاء، فليس هناك إتلاف ومشاركة لهؤلاء الجهلاء. كما أن أهدافاً مهمةً كخلق نمو اقتصادي والمشاركة السياسية، وتعزيز الدور المصري اصطدم بواقع ضعف العقول في تحقيق تلك الأهداف بانشغالهم بالسيطرة على أجهزة الدولة وطرح أفكار بسيطة عن العدالة في خطاباتهم، وغرورهم على المستوى الإقليمي، والتباهي دولياً بأنهم أهل الشرعية والديموقراطية، وليس غريباً أن يدخل الجيش المصري مستغلاً التظاهرات الضخمة ضد مرسي وجماعتهِ من أجل إجهاض مشروع جماعة (الإخوان) في تحويل مصر إلى نظام ثيوقراطي، وهو مشروع سيخلق صراعات متعددة في الوطن العربي، وسيكون جداراً مانعاً للتطور والحداثة. ولهم أغلال ترفض الواقع العربي والدولي، المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع، كان قد أعلن، (يبدو أن حلم الشيخ حسن البنا في إحياء الخلافة الإسلامية قد اقترب)، هذا القول صريح في أن الإخوان تبيت الصراع مع دول عربية عديدة وأنها ترفض الواقع السياسي للدول العربية والواقع الدولي. ومن المعروف أن كمال أتاتورك ألغى الخلافة الإسلامية سنة 1924، عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية، وفي سنة 1926 عقدت الدول العربية مؤتمراً في القاهرة من أجل إحياء فكرة الخلافة، وقد ساندها في إحياء هذه الدعوة الملك فؤاد، باعتباره كان يطمح إلى نيل هذه الزعامة الدينية، ولكن المجتمعين انقسموا وتفرقوا. الحقيقة تقول إن العالم تغير وأصبح دولاً متعددة ومختلفة وأصبح أكثر قانوناً وتنظيماً وسعياً لخلق الأمن والسلام، فيما أصبح هناك العالم العربي الذي يمثل دولًا متلاصقة جغرافياً لغتها العربية والتي لها منظمة (الجامعة العربية) مقرها القاهرة وكما هناك منظمة إسلامية تعكس هوية الدول الإسلامية (المؤتمر الإسلامي). مما لا شك فيه أن «الإخوان» في مصر مثلهم مثل المركزية الشيعية في إيران، تريد أن يكون لها نفوذ وسيطرة عابرة للقومية أو عابرة لسيادة وأمن الدول العربية، مثال ذلك ما حدث في الكويت من دعوة «الإخوان» فيها إلى السيطرة على البلاد عبر توغل «الإخوان» في أجهزة الدولة الكويتية كالقضاء وفي المؤسسة العسكرية، هذا يقود إلى حقيقة، لو أن توغل «الإخوان» في أجهزة دولة ما سيكون لمركز «الإخوان» في مصر سيطرة وسلطة على الدول الأخرى مثل ما يحدث اليوم بين إيران وسيطرتها على العراق. وإذا كان الشيعة في الدول الخليجية يرسلون أموالهم وزكاتهم إلى عمائم إيران، فإنهم كمن يرسل الولاء والطاعة كل عام، و«الإخوان» أيضاً في الدول الخليجية والعربية يبايعون أميرهم في مصر وهم كمن يبيع ولاءهُ بصكوك مكتوبة بعقائد ترفض واقع الدول والسيادة. والدليل على أن «الإخوان» في ترابط وفي شبكة واحدة، أنظرْ مناصرة التيارات الإسلامية في الدول العربية للرئيس المخلوع وجماعتهِ، حتى بلغ الأمر التشجيع على العنف والقتل في مصر، لأن سقوط «أخوان» مصر، هو سقوط لمشروع «الإخوان» في الوطن العربي. أما الأغلال الثقافية: فتبدو العلة في الثقافة العربية التي تتكون من الدين والتاريخ وتجاربهِ واختلاف درجات التمدن والتلاقي الثقافي مع الآخرين مع اختلاف العرق أيضاً، فالثقافة العربية تبدو في إحدى صورها متعصبة وعاطفية، وتبحث عن أسطورة البطل المخلص أكثر من البحث عن المعرفة والتقدم وقبول هذا العالم باختلاف أديانهِ ومجتمعاتهِ وأعراقهِ وصراعاتهِ وتعاونهِ وتنافسهِ، لذلك يكون للخطابات أو شعراء الأديان والمذاهب آذاناً صاغية في قلوب شرائح مجتمعية كبيرة في الوطن العربي لطالما لعبت الخطابات العروبية الاشتراكية في آذان الكثيرين من العرب. مازال أثر سقوط «الإخوان» في مصر لم يتبلور إقليمياً ودولياً، لكن هذا السقوط سيقلل من حدة حالات الصراع على السلطة في بعض الدول، وسيمنع فكرة قدرة «الإخوان» على الإمساك بدولة ما وبأجهزتها كاملة، وربما سقطت فكرة الإسلاميين الحداثيين في الوطن العربي وقدرتهم على الحكم. فقد كانت الولايات المتحدة الأميركية تراهن على نجاح هذا النموذج، حيث أظهرت في بداية «الربيع العربي» استعداداً للرهان على حكم الإسلاميين في بعض الأقطار العربية، واليوم بعد التجربة الفاشلة لحكم «الإخوان» في مصر، أصبحت متقبلة لوجهة النظر الخليجية الغالبة الرافضة لأفكار «الإخوان» المسلمين وصعودهم إلى الحكم.